"لم أستفد أبدا في حياتي من أي تجاوز للقانون، لذلك أتحدث بحرية"، يقول محمد ولد بوعماتو محدقا في محاوره، فرجل الأعمال الموريتاني يتحدث بشكل مباشر، لكنّه لا يجرى مقابلات كثيرة مع الصحافة. وقد أوقف ساعده الأيمن محمد ولد الدباغ في معبر دياما الحدودي في إبريل الماضي بينما كان في طريقه إلى السنغال. وأجرت الشرطة بحثا دقيقا وصادرت جهاز الكمبيوتر وهاتفين وأوراق عمل. وبعد أشهر من مصادرة تلك المتعلقات، فتحت العدالة تحقيقا أوليا متهمة بوعماتو بتمويل السياسيين مثل السناتور محمد غده والنقابيين وقادة المجتمع المدني. وأصدرت السلطات مذكرة توقيف دولية ضده بتهمة الفساد. وحسب المحيطين بالرئيس فإن بوعماتو ينظم شبكات نفوذ لزعزعة استقرار النظام الحالي في أفق انتخابات 2019. لكنّ بوعماتو يقول: "لقد مولت العديد من الحملات الانتخابية في موريتانيا وأنا أؤيد المعارضة الديمقراطية كقادة للمجتمع المدني، وأولئك الذين يتهمونني بالخيانة، كانوا يعتبرون تمويلي لحملتهم يوما ما عملا وطنيا. هل يتصورون أن تأييدهم حلال ودعم معارضتهم حرام. يرى رجل الأعمال الموريتاني نفسه في "جورج سوروس" الملياردير الأمريكي من أصل مجري حيث يرعى المعارضين، ووسائل الإعلام مثل موندافريك بقيادة نيكولا بو ومبلغين عن المخالفات والجمعيات المناضلة (هيومن رايتس ووتش، شيربا، نجدة العبيد في موريتانيا، نجدة البحر الأبيض المتوسط) .
العدوَّان، ولد عبد العزيز وولد بوعماتو كانا حليفين قبل العداوة. فهما ينتميان إلى نفس القبيلة الكبيرة، أولاد بسبع، التي ينتمي إليها أيضا رئيس مشهور آخر هو اعل ولد محمد فال. واتخذت العلاقة مع الرئيس عبد العزيز منعطفا سياسيا في عام 2005 عندما طلب هذا الأخير تمويل حملة سيدي ولد عبد الله قبل الانقلاب في عام 2008. وقد روّج رجل الأعمال للانقلاب في باريس، ونجح في الحصول على ثقة الإليزي بفضل مبعوث الرئيس ساركوزي روبرت بورجي وأمين عام الرئاسة الفرنسية كلود جيان، كما أنه موّل حملة ولد عبد العزيز للانتخابات الرئاسية لعام 2009. ويبرّر أحد مقربي بوعمّاتو هذا الدعم بكون ولد عبد العزيز وعد بوعماتو بإرساء سيادة القانون وتحرير قطاع الأعمال وإقامة نظام اقتصادي مماثل لنظام دبي.
ويقول بوعماتو أنا أحلم بموريتانيا تحكم كما تحكم النرويج. وكما هو الحال في الدول الإسكندنافية، أريد أن يذهب الوزراء للعمل بالدراجة ويستقيلوا إذا اشتروا قطعة شوكولاته على حساب الدولة.
بوعمّاتو معجب بروكفلر وقد قرأ تاريخه وبيل غيتس فهو ليبرالي على الطريقة الأميركية ومسلم متعلق بالزكاة وفعل الخير. وهو يسعى من أجل ضريبة منخفضة جدا على الشركات. وبمجرد انتخاب عبد العزيز في عام 2009، فإن السلطات لم تقدم له شيئا. "لم يكن رجال الأعمال يدفعون ضرائبهم وكانت الدولة ضعيفة تجاهم لكنّ الأمر اليوم على العكس من ذلك"، يقول ولد عبد العزيز في عام 2016. وتحولت العلاقة إلى حالة من العداء عندما قرر رئيس الدولة حرمان بنك بوعماتو من عدد من المعاملات (الاستثمار في أذون الخزينة، والتفويض في ضمان مشتريات المحروقات وعمليات الاستيراد والتصدير). وانتقل رجل الأعمال إلى مراكش في عام 2011. وهو يعرف هذه المدينة جيدا حيث تعوّد على الإقامة مع برنارد هنري ليفي. وقد تنقل منذ ذلك الحين بين المغرب وأوروبا، وخاصة في بروكسل حيث يستقبل زواره في جناحه بالفندق وسط الكتب (بما فيها كتاب كلود جيان)، وطبق تمر وعلبة سيجار.
ولد بوعماتو مولود في 3 ديسمبر 1953 في عائلة متواضعة. والده تاجر كان يتنقل في شاحنة قديمة بين موريتانيا والمغرب قبل أن يتوفي في يوليو 1973، وترك أرملة وعشرة أطفال في أسرة تواجه صعوبة في تلبية احتياجاتها. فعمل بوعمّاتو في وظائف عديدة من بينها تقديم دروس الرياضيات ليلا بينما تعلم المحاسبة في دروس مسائية مع محاسب فرنسي قديم.
طرق باب شركة للإيراد والتصدير للحصول على وظيفة. "كان نظامنا اشتراكي جدا وتسود فيه الدولة"، كما يذكر. لقد قمت بإعداد ملفات لرجال الأعمال لتمكينهم من الحصول على خطوط ائتمان من البنك المركزي. وبعد ثلاث سنوات، أصبح المدير العام المساعد لشركة سونمكس وهي شركة استيراد وتصدير. حيث قام بتطوير بعض الصناعات، بما في ذلك مصنع المعكرونة.
في عام 1982، بدأ التنفيذي الطموح عمله الخاص فأنشأ مخبزا تحول إلى شبكة مخابز وكانت تسير على ما يرام لكنه كان يسعى إلى أكثر من فاشترى سيارات واستعملها كسيارات أجرة ثم أنشأ مصنعا للحلوى، وذلك قبل أن يدخل سوق السجائر مع شركة فيليب موريس ويبدأ رحلة الصعود السريع في جميع أنحاء أفريقيا.
حصل بوعماتو على دعم الرئيس معاوية ولد الطايع وشقيقه أحمد ولد الطايع، شريك بوعماتو في مجال الأعمال التجارية. في عام 1995، أنشأ بنكه الخاص. يقول "كنت بحاجة إلى أداة تمويل لتنمية أعمالي والمشاركة في التنمية الحاصلة في البلد، بما في ذلك عن طريق إنشاء خطوط ائتمان لإمدادات الطاقة". ومع شقيقه أنشأ كذلك شركة للتأمين وأصبح رئيسا لأرباب العمل حيث يدعي أنه ساعد على خلق أكثر من 30 ألف وظيفة واستحوذ على حصص في العديد من الشركات. وفي عام 2000، شارك في تأسيس شركة "ماتال"، وهي أول شركة للهاتف النقال في موريتانيا، بالشراكة مع شركة تونس تليكوم. وبعد ست سنوات أطلق الخطوط الجوية الموريتانية مع شريك تونسي والدولة. "بعد خمسين سنة من الاستقلال، لم تتخلص أفريقيا بعد من الدكتاتورية والفساد الذان يتحدان في كثير من الأحيان.
انفجرت العلاقات بين بوعمّاتو واعل ولد محمد فال عندما كان رئيسا وذلك بعدما سهّل هذا الأخير إنشاء بيك سوسيتيه جنرال وهو مصرف منافس لبنك بوعمّاتو، قبل أن يمنح ترخيصا ثالثا للهاتف المحمول. بدأ بوعمّاتو أنشطته الخيرية في منتصف الثمانينيات، وقدم لسكان وارف نواكشوط مياه محمولة مجانية. لكنّ أعظم نجاح له هو بلا شك مستشفى العيون في نواكشوط الذي يحارب ضد العمى. منذ عام 2010، تحول إلى الدولية. وهو متحمس لقضية "الأموال الأفريقية المكتسبة بشكل غير مشروع". وسيجتمع في عام 2012 مع المحامي ويليام بوردون لإقامة ندوة حول هذا الموضوع. "لا ينبغي أن تكون السلطة مصدرا للإثراء"، كما يقول. ثم عيّن المحامي الفرنسي هنري توليز، خريج كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، لقيادة مؤسسته في بروكسل. وقد أعد هذا الأخير ملف قضية حسين حبري في السنغال. ثم ضاعف الأنشطة الخيرية مثل دعم الدكتور موكويغ، الرجل الذي يقوم بمعالجة النساء ضحايا الاغتصاب الجماعي في جمهورية الكونغو الديمقراطية. من مراكش إلى بروكسل انتقل رجل الأعمال حيث يخصّص بعض الوقت لزوجته. وقد منح العديد من الشركات لأطفاله. وقد نكّت حول سؤال حول ثروته. كم تزن؟ قائلا "أنا أزن 92 كجم ولكنني أنوى إنقاص وزني وطلب مني الطبيب العودة إلى 80 كجم. تلك كانت نهاية مقابلة مع رجل أعمال مثير للجدل رغم تأكيده أنه ليس لديه طموح سياسي في موريتانيا.