مجدّداً عاد الرّئيس التّركي رجب طيب أردوغان إلى أفريقيا في زيارة رسمية لغرب القارة السّمراء. تشمل أربعة دول وهي الجزائر والسنغال بالإضافة إلى موريتانيا ومالي، في أوّل زيارة رسميّة لرئيس تركي لكلا البلدين بعد أقل من ثلاثة أشهر من زيارته الأخيرة لأفريقيا، الّتي شملت السّودان وتشاد وتونس الّتي جرت نهاية العام الماضي.
لم يسبق لأي زعيم في العالم أن زار القارّة الأفريقيّة مثلما زارها الولي العثماني الّتي تعدّت زياراته للقارّة السمراء العشرون زيارة. زار خلالها ما يقارب نصف دول القارة!
تكلّلت هذه الزيارات باستثمارات وعلاقات اقتصاديّة مع العديد من دول القارّة. والأهم حصول تركيا على حقّ إدارة جزيرة سواكن السودانية الّتي تقع على ساحل البحر الأحمر، لدى زيارة أردوغان الأخيرة للسودان التي جرت في ديسمبر 2017. ميناء سواكن ذو الرّمزية التّاريخية، حيث كان مركزاً لبحرية الدولة العثمانية، كما أنّه كان يضمّ مقرّ الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي: 1821 و 1885.
الرّئيس السوداني عمر البشير الّذي يناوش القاهرة بين الحين والآخر بمطالبته بحلايب وشلاتين باعتبارها ولايات سودانية وليس مصرية. تنازل عن جزيرة سواكن إلى أردوغان الّذي لم يفوت فرصة إلا وهاجم النّظام المصري، ممّا أدّى إلى حرب كلامية بين القاهرة والخرطوم.
"ثقافتنا وأخلاقنا لا تسمحان لنا باستغلال أفريقيا. ولا يمكن لخمس دول أن تقرّر مصير بقية دول العالم". توقّفت كثيراً عند هذه الكلمات الّتي ذكرها أردوغان لدى زيارته للعاصمة السّنغالية داكار والتي تلت زياراته إلى نواكشوط . فهل يقصد هنا نفي تهمة طالما لصقت بالدولة العثمانية في العهد الاستعماري باستغلال البلاد والعباد، حيث كانت تستعبد الدّولة العثمانية الشّعوب الّتي تحتلّها، وترسل خيراتها الطّبيعية والبشريّة من الحرفيين والعمال المهرة للأستانة، وتترك هذه الدول تعاني الفقر والجهل؟حقيقة لا أعرف عن أي ثقافة وأخلاق يتحدث! وماذا يقصد بأنّه لا يمكن لخمس دول أن تقرر مصير بقيّة دول العالم. هل يقصد انه يجب أن تكون سادسهم تركيا مثلما كان الحال في العهد الاستعماري!
مرّ أكثر من نصف قرن على انقضاء العهد الاستعماري العسكري ليظهر محاولات أستعمارية جديدة. وهي الأستعمار الاقتصادي، وما زالت أفريقيا الفقيرة مسرحاً للتّنافس بين الدول على هذا الاستعمار الأقتصادي وبالأخص فرنسا واسرائيل وتركيا الّذين يتسابقون لتوسيع نفوذهم في القارّة الافريقية حتّى انّه دولة مثل الصومال تعاني الفقر الشّديد والحروب الأهلية . لم يسبق لأي رئيس خارج القارة السمراء أن زارها إلّا الثعلب التركي في يناير 2015 . فلا شكّ أنّ أردوغان وأجهزة مخابراته التي تعمل بجد في أفريقيا تعلم أن العثمانيين ما زال لهم مريدون كثيرون في أفريقيا والدول العربية. وهو ما تشجّعه الآن تركيا بعد يأسها من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فهل ينجح أردوغان في تحقيق حلم العثمانيين المؤجل في أفريقيا؟!