كانت ذاكرتنا الجمعية تسعفنا إذا ذكر اسم الولايات المتحدة الأمريكية بسيل من المواقع والوقائع المشبعة بالسادية والهمجية وللإنسانية المنفلتة من كل عقال، فنتذكر حوادث الاجتثاث العرقي والإبادة الجماعية للهنود الحمر السكان الأصليين لهذه البلاد المنكوبة بأبشع ما أنتجته الحضارة الغربية المعاصرة من عصابات الجريمة المنظمة الذين بنو جبروت قوتهم بكدح مئات الآلاف من العبيد المساكين المختطفين من القارة السمراء عن طريق عصابات القراصنة واللصوص.
كنا نصاب بالقرف والاشمئزاز عندما كنا نتذكر القنابل الذرية الأمريكية على نغازاكي وهيروشيما التي مازالت ولليوم تنتج سنويا في ساكنة هذه الجزر مئات الأطفال المشوهين بفعل الإشعاعات الذرية.
كنا إذا ذكر اسم الولايات المتحدة الأمريكية نتذكر حرائق الغابات الفيتنامية والإبادة الجماعية بقنابل النابا لم الانشطارية وكل أنواع الأسلحة المحرمة دوليا لا لذنب اقترفه هذا الشعب المسكين سوى رفضه للاستعمار ومطالبته بالاستقلال والسيادة على أرض آباءه وأجداده.
كنا إذا ذكر اسم الولايات المتحدة الأمريكية نتذكر سلسلة الانقلابات العسكرية في أمريكيا اللاتينية التي أطاحت بنظم الاستقلال الوطني في هذه البلدان واستبدلتها بنظم عسكرية فاشية تابعة للولايات المتحدة الأمريكية ونتذكر القتل الهمجي للمناضلين الأمميين آرنستو تشيغيفارا في بوليفيا وسيلفادور ألندي في تشيلي، ونتذكر الدعم غير المحدود لعصابات الكونترا في نيكاراغوا والتي أعاثت فسادا وقتلا وتمزيقا لسكان هذا البلد في محاولة لتغيير نظامه اليساري الوطني.
كنا إذا ذكر اسم الولايات المتحدة الأمريكية نتذكر الدعم غير المحدود لنظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا، ونتذكر انسحاب الرئيس بل كلينتون من مؤتمر المنظمات الحقوقية في مدينة دربن بجنوب إفريقيا سنة 1993 رافضا الاعتذار عن مرحلة ممارسة بلاده للعبودية.
وكنا قبل أن نصاب بإسهال الشعارات المغلوطة واليافطات المزيفة نتذكر بعدائية مرافقة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية الاستعمارية للكيان الصهيوني في مسيرته الإجرامية وحمايتهم له ودفاعهم عنه في جميع المحافل الدولية ومرافقتهم له في جميع حروبه ضد أمتنا العربية فمن تأسيسهم له على أرض فلسطين السليبة سنة 1948 وتهجيرهم لأهلها إلى اشتراكهم معه في العدوان الثلاثي على جمهورية مصر العربية سنة1956 إلى وقوفهم إلى جانبه في احتلاله لأراضي الدول العربية في نكبة حزيران سنة 1967 إلى تسييرهم لجسر جوي عسكري دعما لهذا الكيان في حرب تشرين التحريرية سنة 1973 إلى إنزال المارينز الأمريكي دعما لاجتياح هذا الكيان لبيروت سنة 1982 مرورا بحروب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الاستعمارية الغربية على العراق تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل وانتهاء باحتلاله وتدمير بنيته التحتية ونهب مقدراته وحل جيشه واجتثاث أدمغته العلمية، وقتل أزيد من ثلاثة ملايين عراقي دونما حسيب وتأجيج الحروب الأهلية والنزاعات الطائفية والعرقية في هذا البلد العربي المنكوب ليظل يترنح في قبضة الاحتلال الأمريكي وأدواته، والهدف الخفي طبعا هو نهب ثرواته و تحييده عن ساحة الصراع مع الكيان الصهيوني .
كنا إذا ذكر اسم الولايات المتحدة الأمريكية نتذكر بمرارة شعب جزيرة غرينادا المسكين الذي تم مسحه من الخريطة سنة 1982 ليتم إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية مكانه لا لجريمة قام بها هذا الشعب سوى أن أمريكيا تذرعت بأن حكامه الجدد أنذالك ينتمون إلى عائلة اليسار السياسي.
كنا إذا ذكر اسم الولايات المتحدة الأمريكية في أي وسيلة إعلام يتبادر إلى أذهاننا لأول وهلة أن هذا الاسم سترافقه جريمة جديدة ضد الإنسانية.
عزيزي القارئ : إذا كان الجميع قد أصيب بثقب في الذاكرة فهناك أحداث تجري اليوم لا تتطلب العودة إلى مخزون الذاكرة، ولا تتطلب العودة إلى التاريخ السياسي والعسكري للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية الاستعمارية واقعا ووقائع، فهناك تدمير ليبيا والقضاء على نظامها الوطني وإثارة الحرب الأهلية فيها وتمزيق لحمتها الوطنية ونهب ثرواتها والسيطرة على مقدراتها وترك ساكنتها للمجهول.
وهناك حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها اليوم الشعب اليمني وحضارته وأوابده الأثرية والتي ضحاياها بالأرقام الموثقة إلى اليوم أكثر من ثلاثة ملايين إنسان من بينهم أزيد من ثلاث مئة ألف طفل يمني هذه الحرب التي تدار من قبل ما يسمى بالتحالف العربي بدعم وتسليح وحماية دولية من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية الاستعمارية تحت ذريعة شرعية هادي الذي لم ينتخبه الشعب اليمني بل أتى به هذا التحالف وأذنا به إلى سدة الحكم ليتم مأمورية علي عبد الله صالح الذي أرغم على الاستقالة وقد أطيح بهادي بعد ستة أشهر على انتهاء مأموريته المزعومة ليكون بعد ذلك قميص عثمان الذي تحرق به اليمن بشرا وحجرا والهدف الخفي طبعا هو الإطاحة بوحدة اليمن والقضاء على حركة أنصار الله التي ترفع شعار الموت لأمريكا وإسرائيل واللعنة على اليهود.
هذا في الوقت الذي تجيش كل عصابات الجريمة المنظمة ويوفر لها السلاح والمال والحماية الدولية للإطاحة بنظام الجمهورية العربية السورية الشرعي، ولا نتعب أنفسنا في البحث عن السبب الذي أخذت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الاستعمارية الغربية على عاتقهم إسقاط الرئيس بشار الأسد؟ فبأي حجة تحتج الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الاستعمارية الغربية؟ هل هي حجتهم الممجوجة ويافطتهم المغلوطة " الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان" وأمريكا التي كنا قد أعدنا إلى الذاكرة المثقوبة جزء يسير من ماضيها وماضي شركائها الملوث بالجريمة المنظمة والقرصنة الدولية واستعمالها في سبيل أهداف سيطرتها على العالم كلما هو خارج عن القانون والأعراف الدولية والقيم الإنسانية لا تقيم وزنا لكل الشعارات المغلوطة والقيم الإنسانية المغشوشة المرفوعة من قبلها ومن قبل حلفائها وأدواتها وخدام مشروعها الإجرامي في منطقتنا والعالم.
لقد ظلت أمريكا وشركائها من الدول الغربية الاستعمارية الذين يعتمدون في سلوكهم وممارساتهم قانون القوة بدل قوة القانون على الدوام يمارسون الازدواجية في أبشع تجلياتها كلما كانت هذه الازدواجية تخدم تحكمهم وسيطرتهم على مصائر الأمم والشعوب ولم تكن هذه الازدواجية في الدفاع عن شرعية وهمية في اليمن واتخاذها قميص عثمان لقتل البشر وتدمير الحجر، ومحاربتها في الجمهورية العربية السورية إلا إحدى تجليات شريعة الغاب التي ظلت أمريكا وحلفائها من الدول الاستعمارية الغربية يمارسنها كقانون طبيعي في تعاملهم مع جميع الأمم والشعوب .
عزيزي القارئ : إن الولايات المتحدة الأمريكية التي نتوسلها اليوم الحرية و الديمقراطية وحقوق الإنسان هي نفسها أمريكا التي وقع رئيسها قبل أسابيع صك منح القدس عاصمة فلسطين (أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم) للكيان الصهيوني وأعلن قطع تمويل بلاده عن منظمة اللاجئين والمشردين الفلسطينيين الذين شاركت والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الاستعمارية الغربية في جريمة تشريدهم وتهجيرهم عن ديار آبائهم وأجدادهم وتوطين مكانهم شذاذ الآفاق الصهاينة الذين استجلبتهم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الاستعمارية الغربية من مختلف بقاع العالم.
عزيزي القارئ : إن الحضارة الغربية المعاصرة قامت وللأسف الشديد على منطق القوة هذا المنطق الذي قادها إلى حملات استعمار الدول والشعوب الأقل قوة وأشعل قانون القوة هذا في مرحلة من المراحل الحروب البينية فيما بين دول هذه المنظومة والتي من بينها حربين عالميتين أتت على الأخضر واليابس وما حملها لشعار "حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي" إلا بهدف اتخاذه كسلاح ومطية تمتطيها للعدوان على كل نظام لا يسير في فلك مصالحها ولا يرضى لها التدخل في شؤون بلاده الداخلية ونهب خيراتها وتجويع أهلها وإذلالهم، فلماذا يرضى الغرب ومنظماته الحقوقية وقوانينه "الإنسانية" الدولية عن أسوء الأنظمة الملكية الشمولية في بلادنا وخصوصا في منطقة الخليج والتي تمثل أسوء ما أنتجه تاريخ البشرية حيث لا يزال التمييز على أساس العائلة و الجنس هو الذي يحكم العلاقات العامة داخل البنيان السياسي والإداري والاجتماعي لهذه النظم العائلية.
هكذا عودتنا أمريكا وحلفائها من الدول الاستعمارية الغربية فقبل أن يصاب الجميع بثقب في الذاكرة لم يكن ليتوسل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية من أمريكا وحلفائها الإمبرياليون ، كانوا يعرفون بالبينة والبرهان، أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية الاستعمارية هم من صنعوا أعتى الأنظمة الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية وفي إفريقيا وآسيا وهم من صنعوا الأنظمة التي مارست أسوء الجرائم ضد الإنسان وحقوقه في فلسطين وجنوب إفريقيا وفي الجزائر أيام الاستعمار الاستيطاني الفرنسي وفي ناميبيا وبوتسوانا والموزنبيق وآنغولا وغيرها من ضحايا النظام "الكونونيالي" في القارة السمراء وهم من أنهكوا هذه القارة بالحروب والنزاعات المسلحة وهم من نهب ثرواتها ومقدراتها، الحديد، الذهب، اليورانيوم، السمك، الفوسفات، الغاز، البترول، النحاس وغيرها ليقوموا في كل مرة و بعد ما أنتجه ظلمهم واستبدادهم ونهبهم لثروات القارة بالإيعاز إلى أدواتهم المسماة "بالهيئات الإنسانية" للتدخل في الكوارث التي صنعها النظام الغربي الاستعماري ووكلائه المحليين الذين أوصلهم إلى سدة الحكم في العديد من هذه البلدان تارة عن طريق الانقلابات العسكرية وتارة عن طريق ديمقراطية الفساد والاستبداد التي تكرس التبعية الانهزامية وروح الزبونية للمؤسسات الرأسمالية للنظام الاستعماري الغربي وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدولي، فلا يمكن لمن سجله التاريخي ملوث بدماء المحرمين ونهب ثروات البؤساء أن يكون مرجعية للحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، ففاقد الشيء لا يعطيه.
وفي الأخير نرى أنه من الواجب الترحم على شهداء الحرية الذين رووا تراب بلدانهم بالدماء الزكية في مواجهة طغيان الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية الاستعمارية في آسيا وإفريقيا وأمريكيا اللاتينية .
والمجد للجيش العربي السوري وحلفائه الذين يتصدون اليوم ببسالة لأبشع أنواع المشاريع الأمريكية الغربية الصهيونية الاستعمارية في منطقتنا ويدوسونه بأقدامهم على تراب الجمهورية العربية السورية سوءا كان ذلك في الغوطة الشرقية لريف دمشق أو في حلب أو دير الزور وغيرها من مناطق تراب سوريا الحبيبة التي أغرقها مغول العصر الأمريكان وحلفائهم وأتباعهم بعصابات الجريمة المنظمة والإرهاب الدولي الوافد من شتى بقاع العالم .
حمى الله سوريا قائدا وجيشا وشعبا، والمجد والخلود لشهداء أمتنا الذين رووا بدمائهم الزكية ساحات أقطار أمتنا في مواجهة مشاريع الطغيان والهيمنة الغربية ـ الصهيو أمريكية.