يحتاج البيظان بالخصوص إلى "العصف الذهني"، فهم الآن في شتاتهم، ودولتهم المركزية، يعانون من سبات عميق، لأن تراثهم الذي هو فخر أغلبيتهم الصامتة، تكالبت عليه الضباع.، فعصف به النسيان(مكتبات زاخرة دفتنها الرمال، دواوين ومخطوطات أكلتها الأرضة، مدن أثرية اجتحاتها.
العزلة ، وساحات معارك مقاومة تنوسيت نسيانا، ومحاظر آهلة تنكبت وصرفت بغيا وعدوانا، واجتاحت جيوش الغزو الفكري حضارتهم من (التاديت) الى (التدنيت)، ومن (الدراعة) الى (الملحفة) ، ومن (المنظوم) الى (المنثور)، ومن (التفقه) إلى (التصوف).
سجل الغزاة هذا، تراثا إنسانيا خالدا كملكية فكرية لهم ، وأصبح الأفارقة والغربيون يبيعونه دكاكين عبر الانترنيت ، ويسمونه بأسمائهم المستعارة في الأرض الافتراضية التي لا علم فيها لأحد، يبيعون بمزاد علني وبلا حياء، صناع "الأيقونة"، وعازفي "القيثارة" ، والمترنمين ب"أدب الشاي").
أصبحنا (تاريخ أندلس: يحكى أن)؟
جاء تكثيف البرتغاليين أنشطتهم التجارية في موريتانيا أساسًا بعد اكتشافهم شبه جزيرة الرأس الأبيض عام 1442م، وجزيرة آرغين في 1443م ، ووصلوا إلى رأس بجدور(قرب اعيون الصحراء) وفي العام 1455م، أنشأ البرتغاليون مركزًا تجاريًّا على شاطئ المحيط الأطلنطي، بالإضافة إلى مراكز أخرى داخل البلاد، مثل مدينة ودان التي صد سكانها وجودهم .
وكان هدفهم السيطرة على الطرق التجارية عابرة الصحراء، وبسبب مقاومة (سكان اتراب البيظان) لهم، وقعوا اتفاقيات تجارية مع إمارات بني حسان شملت تبادل الملابس القطنية، والفضة والمرجان، والعقيق الأحمر والذهب، والصمغ العربي، والمسك وبيض النعام، والجلود.
وعندما تطلع الفرنسيون إلى استعمار (اتراب البيظان) ، وجاسوا خلال ديار بلد المليون حافظ وشاعر، اعترف الفرنسيون بالمقاومة الشرسة للإمارات المالكة للمجال الجغرافي خصوصا، وللعلماء الذين أسسوا صناعة العالم الموسوعي بواسطة المحظرة.
على سبيل المثال للحصر فان ركنين من حماة الأرض والدين أثخنوا في الغزاة، وكانوا مثالا لحماية المجال الجغرافي لأبناء موريتان ، وفي ذلك أعذروا إلى الله:
الأولى: إمارة آدرار:
تأسست باسم إمارة أولاد احيا بن عثمان (نسبة إلى يحيى بن عثمان بن مغفر) الذين قاموا بتكوين هذه الإمارة في النصف الأول من القرن الثامن عشر، واستمروا يتداولون حكمها حتى الاحتلال الفرنسي لها في1909م.
ومن آخر أمرائها الأمير والمجاهد والبطل والأديب الموريتاني سيدي أحمد ولدأحمد ولد عيدة الذي استشهد صبيحة 19 مارس1932 بالگلب الأخضر قرب وديان الخروب .
والثانية: إمارة ادوعيش:
التي أسسها أحفاد يحي بن عامر المجاهد اللمتوني
في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وهي الإمارة الوحيدة غير الحسانية (من أصول صنهاجية)التي عرفتها موريتانيا، وقد اتخذت من إقليم تكانت مركزاً لها.، خاض آخر أمرائها بكاربن سويداحمد عدّة معارك ضد الاستعمار الفرنسي في «افطوط» و«أفله».، وكانت آخرها معركة بوكادم التي حصل فيها على الشهادة في الأول من نيسان/إبريل 1905م.
بلد حكاية (المنارة الرباط)، وأنشودة( المليون شاعر)، وأرض العارفين (أهل العلم، والحكمة، والحلم)، الآن رحلت تلك المزن الثقال، لتمطر في الخليج أو في الحجاز أو في السودان، أو ترثى في الأزهر الشريف، أو تتنادى إليها الأمم، في أبوظبي ،و انيويورك ، وكندا، وأندنوسيا، وأوروبا، أو تسمع (لواذا) في الأستانة و البلقان.
يلقي شاعرنا في جائزة المليون درهم السبق فيتوج الأول فالأول، وفي بلد المليون شاعر يتوكأ على العصا ،عاري البدن أو أعمي البصر، ويموت أخمص البطن وحافي القدمين، بلا بواكي وبلا ترجمان.
يلقى فقيه (علم المقاصد) ، ومفتي فقه النوازل، وحافظ القرءان الكريم المتقن ، ومدرس المتون وأنظامها الحلوة، ومرتل القرءان بخشية وإخبات في : الإمارات، وفي السعودية والكويت وعمان، وفي إفريقيا والصين ، حبورا لا يلقاه في ديار المنشأ..
هاجر علماء (مش) ورواد حضارة(البيظان).. للأسف تباعا، هذا المنكب البرزخي، بحثا عن ما ينجيهم من أن يصعروا خدهم للناس، أو يذلوا علمهم للخناس، أو يموت ذكرهم الأساس في ديارهم.
ديار الشناقطة التي: كانت مهاجر ومهاجع لمن يبحث عن لغة هذيل، وفروسية تميم، و كرم معن بن زائدة، وحكمة سيف الدولة، ووفاء الطائي عند الملك النعمان بن المنذر اللخمي.
لمن ينظم ولد محمدي اليوم ، ولمن يكنش الوسيط ترجمات علماء بلد شنقيط ، ولمن تلقى"أشوار" وفن البيظان التي أممتها (الأمازيغ)، ومن يطبع ويحمي مخطوطاتنا ومؤلفاتنا التي تناهبتها دواب وأمم الأرض؟
أي جيل سيحرر تراث وميراث (العالم الشنقيطي الموسوعي ، والفنان المبدع، والرسام المبهر، وحادي الإبل المتواضع، ونظراء المتنبي وامرئ القيس في نظم المعلقات و المنثورات ) ؟
ومن هو (العُمري) الذي سيبني مآذننا ويعمر محاظرنا، ويستعيد ذاكرة الشنافطة لأبنائنا ،من الذين اقتنوها "قنية ،"أو سلبوها "غنية"؟
لم يكتف هؤلاء ب"اجتثاث" تاريخ المرابطين، وإمارات المجال الجغرافي للصحراء،وجعله
اقتطاعا(ملحقا)، أوكنزا(مودعا).
لقد سجلت "التدنيت"، وشروحات "خليل"، وأغاني "ديم"، و"راحلة" حضارة الرحل، و" الرموز الثقافية لبني معقل وبني حسان" خالصة لهم.
وشمل ذلك أعظم ما نملك "الرسم"، و أغلى ما ترسم ريشة اليراع عندنا وعندهم ("الاحمرار" و"الاكحلال" )...
ان تراث الملكية الفكرية لذاكرة (حضارة البيظان ) مملوكة اليوم لغيرنا في سجلات اليونيسكو و(الملكية الفكرية العالمية) بأسماء مستعارة، وأصبحنا في دروب الثقافة الحسانية (حائط مبكى، أو زنجبار، أوأندلس الفردوس المفقود)؟؟
لقد استعمرنا الهاتف النقال، والدرهم الفواح، والسياحة المحدودبة الظهر، والتجارة المهربة،
وأكلتنا المنح ، ورعونة إعلام النعامة، وثقافة
التهجي، وضعنا بين الإقفار والإقتار ؟
و"المنفق" (المالك الجديد) ، أنفق عل شراء ذممنا، ولئالئ فردوسنا، وسجل ملكيته الفكرية : طباعة، وإعلاما، وإنتاجا، بمئات المليارات، وبسخاء لا شح فيه ، و لا إغلاق.، وبخطط اعلامية، وتراثية ، وثقافية ، ودينية ، وتوسعية ..رسمت بأناة وعقلانية
خضراء غناء.
سواء بباء السبب ، أوبباء المعاوضة : ( بيضانكم ، بيظاننا) لايملكون اليوم إلا ذكريات الأحلام، وكل باسمه ورسمه ، أصبح مستهلكا وبائعا متجولا في المشهد، على الفاتحين و الغزاة الجدد: يستوي في ذلك من أسر بالقول أو من جهر:(علماء، شعراء، صحفيين، فنانين ، مؤلفين وباحثين ، قراء ومتصوفة، ذاكرين وتالين) .
بيضانا بالضاد، وبيظانا بالظاء ، لقد ضربنا أشتاتا في الرأس بالفأس، وظلمنا جماعة في الرمس قبل الرمس.