"ينبغي ألاّ تزهق أرواح باسمي , وأيضاً يجب ألّا ينقسم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا) باسمي". هكذا قالها جاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا معلناً عن تنحّيه عن رئاسة الجمهوريّة قبل انتهاء فترة ولايته المقرّرة في 2019 بعد أن خيّره الحزب بين الاستقالة أو سحب الثّقة لارتكابه جرائم فساد هو والمقربين منه على حد قول الحزب فهي اتهامات لم يتمّ التّأكد منها ولم يتمّ إدانته من قبل أيّة محكمة وطنيّة في جنوب أفريقيا الّتي تتمتّع بفصل حقيقيّ بين السّلطات الثلاث التّشريعية والتّنفيذية والقضائيّة، قلّما تتمتّع به دولة في أفريقيا. فقد سبق أن وجّهت لزوماً نفسه سابقاً تهمة الإغتصاب ولكن المحكمة برّأته.
منذ انتهاء النّظام العنصري القديم في جنوب أفريقيا وإقامة الانتخابات الدّيمقراطبة عام 1994 ولأوّل مرّة في تاريخ البلاد يسمح للأغلبيّة السّوداء حقّ المشاركة السّياسيّة في الإنتخابات التي حرموا منها عقود من الزمن، وانتصار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بزعامة نيلسون مانديلا، وتولّيه رئاسة الجمهورية وإقامة النظام الديمقراطي الجديد. من هنا بدأت النّهضة الحقيقيّة لجنوب أفريقيا الّتي تخطو الخطوة تلو الأخرى بثبات نحو مستقبل واعد اقتصاديّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً، حيث يحتلّ الاقتصاد الجنوب أفريقي أكبر أقتصاد في أفريقيا بعد أقتصاد دولة نيجيريا..
سبعة وعشرون عاماً قضاها نيلسون مانديلا في السّجن وعند انتهاء نظام الفصل العنصري وتولّيه رئاسة الجمهورية واكتفائه بدورة رئاسيّة واحدة ،1994:1999 لم يتّخذ منها طريقاً للانتقام ممّن سجنوه، بل اختار طريق المصالحة الوطنية. ولم يذكر شعبه دوماً أنّه من حرّر الوطن، فعليه أن يكون في السّلطة إلى أبد الأبدين! مثلما فعل أغلب الزعماء الأفارقة والعرب بعد انتهاء الحقبة الإستعماريّة الّذين كان دور أغلبهم مجرد أعضاء في التنظيم الذي حرر وطنهم. وبعد التّحرير نجحوا بدهائهم من التّخلص من أصدقائهم لينفردوا بالسّلطة إلى وقت وافتهم المنيّة مذكّرين شعوبهم أنّهم من حرّروا الوطن. لذلك هم فوق كلّ حساب لينهوا حياتهم السياسيّة أبطال فساد أوطانهم بعد أن كانوا أبطال تحريرها! ويبتعد عن السّلطة ويقترب من شعبه ويشاهد من بعيد ثمرة ما فعل إلى أن توفاه الله عام 2013.
أرقد بسلام أيها الزعيم مانديلا فإن سنوات سجنك السّبع وعشرون لم تذهب هباء فقد خلقت شعباً وقادة يعرفون جيدا كيف يحفظون وطنهم.