في هذا اللقاء الذي جرى ببغداد بين العقيد الشيخ سيد احمد ولد باب، والشهيد صدام حسين اواخر سنة 1989 السنة التي انفجرت في ربعها الأول أحداث دامية بين بلادنا وجارتها الجنوبية في ظل ميزان قوة يميل بشكل كامل لصالح الجارة الجنوبية: فلديها جيش نظامي يفوق عدديا جيشنا وتعاون عسكري وثيق مع فرنسا التي تقيم على أرضها قواعد بحرية وجوية دائمة ، عززتها فورا بالأسطول الفرنسي المكلف بالدفاع عن الواجهة الإفريقية للمحيط، بالتزامن مع مناورات بين البحرية الأمريكية والسينغالية في يوليو 1990، وحركة نشطة للطائرات البريطانية بمطار داكار الذي سبق أن استخدمته بكثافة 1986 كمحطة للتزويد في حرب المالوين 1986، إلى جانب دعم دبلوماسي أفريقي وعربي كبير عُبّر عنه أحيانا بوضوح يتجاوز حدود اللياقة الدبلوماسية. كان ذلك كله مدعوما بتحريض داخلي شرس، ذكر تفاصيله الرئيس السينغالي عبدو ديوف في مذكراته، حين قال ما نصه على لسان شخصيات سينغالية عديدة جلهم من الضفة ( ماذا تنتظرون بعد كل ما فعلوه لكم؟أنتم مجبرون على إعلان الحرب لأنكم لا تستطيعون فعل غير ذلك).
في هذه الأثناء ذكر بشكل موثق الشيخ سيد احمد أنه سافر في رحلة خليجية إلى السعودية والكويت طلبا للدعم العسكري والدبلوماسي، وكان يجابه غالبا بجفاء مغلف بشعارات أنهم يفضلون الحياد بين بلدين مسلمين واقصى ما يمكنهم القيام به هو (الوساطة)، متناسين حجم التهديد الوشيك والتصريحات النارية الناتجة عن الاختلال الكبير في ميزان القوى. في عودته من رحلته الخليجية طُلب من الشيخ سيد احمد المرور بالعراق الذي كانت تخيم على العلاقة به أجواء محاكمات اكتوبر 1988 وأحكامها القاسية ضد عشرات الشخصيات الوطنية وجه لهم النظام تهمة الانتماء لحزب البعث، وصاحب ذلك بتسريح ما يزيد على 550 من الضباط وضباط الصف والجنود دون محاكمة بمجرد تهمة الارتباط بهذا التيار.
عند وصوله استقبل في المطار من قبل وجه الدبلوماسية العربية البارز طارق عزيز، وهو يفيض مما عرف عنه من نبض المروءة، وقيم التضامن العربي والدهاء الدبلوماسي والثقافة الواسعة، وهيأ له وفق اسرع صيغ الترتيبات لبروتوكولية لقاء بالشهيد هو( الموثق في هذه الصورة)، لم يطلب منه الشهيد سوى أن يقدم تفصيلا عن حجم الدعم العسكري الذي تريد موريتانيا، وفي الاسبوع الموالي فُتح أكبر جسر جوي في تاريخ بلدنا، كان بين مطار مدينة الرشيد، عاصمة الخلافة بغداد، وبين مطار نواكشوط، تم من خلاله على الفور نقل ما يزيد على 40 دبابة ومئات من قطع مدفعية الميدان والصواريخ التكتيكية وراجمات الصواريخ، أجهزة التوجيه والملاحة النهرية والجسور العائمة وأجهزة مراقبة الأهداف الدقيقة، قبل أن تبدأ السفن العراقية العملاقة تجوب المسطحات تحثها نَواتِيها في اتجاه ميناء الصداقة حاملة الدعم العسكري الذي غير في أشهر قليلة ميزان القوى لصالح بلدنا، وهو الذي بفضله لم تقم الحرب، وتمت صيانة سيادة موريتانيا،
فشكرا لرجال ذلك العهد على وطنيتهم وفي مقدمتهم العقيد سيد احمد، ورحم الله الشهيد ورفاقه فهم: قوم إذا الشرُّ أبدى ناجذيه لهم***طاروا إليه زرافاتٍ ووحدانا لا يسألون أخاهُم حين يندُبُهم***في النائبات على ما قال برهانا.
من صفحة حزب الصواب على الفيس بوك