في حدث هو الأول من نوعه في موريتانيا، أطلقت ليلة البارحة بالعاصمة الموريتانية نواكشوط "منشورات الشاعرة خديجة عبد الحي" وذلك وسط حضور رسمي وحضور نخبوي حاشد.
وجرت وقائع هذه التظاهرة، التي نظمها اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين بالتعاون مع مجموعة "سدنة الحرف" الأدبية في فندق "وصال" بولاية نواكشوط الغربية، بحضور الأمين العام لوزارة الثقافة، وعشرات الشخصيات والرموز الثقافية والإبداعية البارزة، التي تقدمها الشاعر الكبير أحمد ولد عبد القادر، والرئيس المؤسس لاتحاد الأدباء الموريتانيين، ورئيس "مجلس اللسان العربي في موريتانيا" العلامة الشيخ الخليل النحوي، والشاعر الكبير محمد الحافظ أحمدو، والشاعرة الرائدة باتة بنت البراء، والمثقف الموريتاني الكبير المقيم بالخارج رئيس مركز الدراسات والبحوث العليا في أبروكسل الدكتور بدي أبنو، والدكتور المختار ولد الجيلاني الأمين العام لمجلس اللسان العربي في موريتانيا، وقادة الجمعيات والنوادي الثقافية، وعدد كبير من أساتذة الجامعة.
كما حضر أيضا جمع لافت من وزراء التعليم والثقافة السابقين، من بينهم على الخصوص الوزير السابق المثقف سيد أحمد ولد الدي، ووزير التعليم العالي السابق الدكتور البكاي ولد عبد المالك، ووزير الثقافة والإعلام السابق الباحث محمد فال ولد الشيخ، ووزير التعليم الأصلي السابق الدكتور ددود ولد عبد الله، وموظفون سامون حاليون وسابقون.
كما حضر هذه التظاهرة قادة أحزاب وشخصيات سياسية بارزة من أمثال الرؤساء: صالح ولد حننا، ومحمد جميل منصور، وعبد السلام ولد حرمة، وجعفر محمود، وعدد كبير من الأطر.
وتميز حفل إطلاق "منشورات الشاعرة خديجة بنت عبد الحي" برفد المكتبة الموريتانية والعربية بـ 12 كتابا أدبيا وثقافيا جديدا تدور كلها حول أدب المرأة الموريتانية، وذلك في الدورة الأولى لهذه المنشورات التي تعتبر سابقة من نوعها في تاريخ البلاد.
وشهدت الاحتفالية تبادلا للخطابات بالمناسبة، وتسليم الكتب المنشورة للمبدعات، وندوةً علمية عن أدب الشاعرة الراحلة خديجة عبد الحي، كما استمع الحضور في جو مهيب إلى "فرقة عماد - لبابة"، التي أدت نشيد الوفاء، الذي كتبه كبار شعراء موريتانيا؛ تخليدا لذكرى خديجة عبد الحي المنارة الشنقيطية الإبداعية الخالدة.
وتزامن إطلاق "منشورات الشاعرة خديجة بنت عبد الحي" مع ذكرى مرور 16 عاما على رحيل هذه الشاعرة التي تعتبر من أشهر الشاعرات في تاريخ البلاد، ورائدة من رواد الأدب الموريتاني الحديث، تركت بصماتها في ساحة الأدب شعرا وسردا.
وترأس هذه التظاهرة الثقافية الحاشدة كل من: الدكتور محمد ولد أحظانا رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، والأستاذ الدكتور عبد الله السيد رئيس مجلس إدارة "سدنة الحرف".
وبدأت الاحتفالية بكلمة وزارة الثقافة التي أكد من خلالها الأمين العام للوزارة الدكتور أحمد ولد أباه ولد سيدي أحمد "أن إصدار عدد من الكتب الأدبية يكتسي أهمية كبيرة لدوره في حفظ وصيانة وتثمين الإنتاج الثقافي الذي يدخل في صميم اهتمامات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز وتعمل الحكومة على تنفيذه من خلال وضع إستراتيجية واضحة المعالم يتم تطبيقها من طرف قطاع الثقافة".
وأضاف "إن الثقافة بشكل عام والأدب بشكل خاص يلعبان دورا أساسيا في تنمية وتطوير عقليات التجمعات، حيث يقول بعض منظري القرن العشرين "إن المهندس يهندس الآلة الصماء، والأديب يهندس عقول البشرية جمعاء".
وبدوره ثمن رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين الدكتور محمد ولد أحظانا دعم ومؤازرة الوزارة للاتحاد حيث مكن من طباعة 40 كتابا في هذه السنة بعضها صدر حيث تعرض منها الآن نماذج والبعض الآخر مازال تحت الطباعة.
وقال: إن الاتحاد بصدد تنظيم مهرجانه السنوي للأدب الموريتاني 2018، وسيتم التركيز فيه على عرض منشوراته الخاصة بهذه الباقة المقدمة في هذه الأمسية الأدبية بامتياز.
وأشاد بحضور رواد أجيال الأدب والثقافة والفكر وممثلين عن منظمات المجتمع المدني والفاعلين في حقل الثقافة، ذاكرا بالخصوص جهود الأستاذ الدكتور عبد الله السيد، والشاعر الكبير المختار السالم.
وأثنى بشكل خاص على دور مركز الدراسات والبحوث العليا في بروكسل على تعاونه الذي ساعد في طباعة الباكورة الأولى من هذه الكتب الأدبية.
أما الأستاذ الدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر - نواكشوط رئيس مجلس إدارة "سدنة الحرف"، فقد ألقى خطابا بالمناسبة أكد خلاله أن "الوقت حان لنشر تراثنا وإبداعنا وفكرنا؛ فالظروف السياسية والاقتصادية والثقافية كلها مساعدة على ذلك".
وثمن ولد السيد دعوة أعلى سلطة في الدولة ممثلة في فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز إلى إعادة كتابة التاريخ الوطني، والعناية بالثقافة، وإحياء التراث والأمجاد الوطنية.
وأشاد ولد السيد بعطاء الشاعرة الراحلة وأثنى على دور أسرتها، وخص بالشكر الدكتور بدي أبنو رئيس معهد الدراسات والأبحاث العليا في بروكسل.
وبدأ ولد السيد قائلا "بسم الله الرحمن الرحيم.. السيد ممثل وزارة الثقافة والعلاقة مع البرلمان، السيد رئيس اتحاد الكتاب والأدباء الموريتانيين، السيد رئيس مجمع اللسان العربي، الدكتور محمد ولد عبد الحي ممثل أسرة أهل عبد الحي، الدكتور بدي ولد أبنو مدير معهد الدراسات والأبحاث العليا في بروكسل، أساتذتي الأجلاء، وزملائي الطلبة والباحثين، أيتها السيدات والسادة..
اسمحوا لي بداية أن أشكر من فكر في تنظيم هذا اللقاء، وأنفق جهده وإمكانياته في سبيل تحقيقه، وأن أخص بالشكر دوحة العلم والكرم والأخلاق، أعني أسرة الشاعرة الراحلة الحية خديجة بنت عبد الحي، أن أشكرها فردا فردا، رجالا ونساء، أن أشكر ممثلها أستاذي الجليل الدكتور محمد عميد كلية الدراسات العربية والإسلامية بدبي.
وقال "أيها الحضور،
لأن الشاعرة خديجة عاشت عمرها إيمانا وإحسانا؛ أحبها جميع من عرفها، وتناولتها أقلامهم ثناء وإشادة، واجتمعوا تأبينا لها، وتعدادا لمحاسنها الجمة، وتناولوا جوانب من إبداعاتها الجميلة، لكن لقاءنا اليوم في هذه السانحة السعيدة، تحت عنوان: "حفل انطلاق منشوراتها" لقاء متميز حقيقة".
وأضاف: "فبعد ست عشرة سنة على رحيلها عنا، وهي في ريعان الشباب، وعز العطاء، ها نحن نجتمع اليوم في حفل انطلاق منشوراتها، وبين أيدينا اثنا عشر كتابا: أربع منها من إبداعها، واثنان في إنارة أعمالها، وستة من إنتاج مبدعات من جنسها يحضرن معنا. وهذا ما يعطي لقاءنا جانبا من تميزه؛ فلسان حالنا يقول: إن تاريخ الإنسان لا يقاس بمرور السنين، وإنما بالأفعال والإنجازات التي تسطرها الإرادة في ذاكرة الزمن. فها نحن تمكنا دفعة واحدة من نشر تسعة أعمال، أحدها من أربعة مجلدات ليتداولها القراء في مشارق الأرض ومغاربها، فتكون شاهدا لأصحابها، وعلما سائرا في العقول لا ينقطع إلى يوم الدين مصداقا لما جاء في الحديث الشريف".
".. بعد ست عشرة سنة، ها نحن تمكنا من نشر هذه الأعمال لنخطو خطوة في سبيل تدوين إبداعات أبناء هذه الربوع ونشرها؛ من منطلق الوعي بأهمية هذا الفعل الذي بدونه لن نخرج من طور الشفهية إلى الكتابة، من طور الطفولة الفكرية إلى الرشد.. بدونه سنظل مجهولين ثقافة وإبداعا وعلوما وفكرا ووطنا؛ لذلك لاغرو أن لا تعرف نهضتنا أيام انحطاط الثقافة العربية، ولا غرابة أن يلمز هذا الباحث أو ذاك في أهليتنا للوصف "ببلد المليون شاعر" ما دام لا يتوفر له في الأسواق ديوان واحد من هذه المليونية"
أيها الحضور الكريم،
لقد جاهد علماء من هذه الربوع في أزمنة ماضية لإقناع مجتمع مقلد بضرورة التأليف والكتابة؛ فاليدالي مثلا، يقول في مقدمة "فرائد الفوائد في شرح العقائد": "وإن من الناس من ينكر التصنيف في هذا الزمان قائلا إن كتب القدماء أولى بالاقتداء، وإن ما حدث من التأليف بدعة"، ويقول الشيخ محمد المامي في كتاب البادية: "فحاشى الذي أنزل في كتابه: ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون" من أن يجمع علينا أهل القرن الثالث عشر حرجين: يخلى عصرنا من المجتهدين، ويمنع الكلام في نوازلنا على أمثل المقلدين". وقد نجح أولئك العلماء في إقناع المجتمع بالتأليف والكتابة، بالرغم من شح المصادر وصعوبة الظروف، وتمكنوا من تفجير نهضة ثقافية وأدبية في سياق حضاري خاص؛ ليس لذويه من الحيطان إلا الآناء، ولا من المصابيح إلا ابن الليالي، ولا من الأقلام إلا قسي النبع والسمر، ولا من القراطيس إلا جلود الأنعام.
لكن نهضتهم تلك ظلت بعد رحيلهم حبيسة الصناديق الأهلية، لم ينشر جلها، ولا تداوله الناس كما أراد له أصحابه علما نافعا يستمر عطاؤه في العقول، وينتشر صيته في الآفاق سفارة تقدير واحترام للأوطان ولذويها، وما ذلك إلا بسبب عدم عناية الأحفاد أو ضعف وسائلهم المادية، وفتور إرادة النخبة في خلق المبادرة وتكرارها كهذه التي نتشرف الآن بحضورها. يضاف إلى ذلك كله تواضع الإمكانيات المرصودة للثقافة في ميزانية الدولة منذ الاستقلال حتى اليوم.
أيها الحضور الكرام،
لقد حان الوقت لنشر تراثنا وإبداعنا وفكرنا؛ فالظروف السياسية والاقتصادية والثقافية كلها مساعدة على ذلك: هناك مناخ من حرية التفكير والرأي انتهت بموجبه النظرة السلبية للمثقف من لدن الحاكم. وهناك دعم مادي ومعنوي أبرز تجلياته دعوة أعلى سلطة في الدولة ممثلة في فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز إلى إعادة كتابة التاريخ الوطني، والعناية بالثقافة، وإحياء التراث والأمجاد الوطنية. كما أن لهذا الجيل من وفرة الوسائل والإمكانيات ما لم يكن للأجيال السابقة؛ وبالتالي فما ينقصنا هو المبادرات الخلاقة والمشاريع الثقافية القابلة للتنفيذ، والشعور، أولا وأخيرا بوضعيتنا مثقفين طموحنا وكينونتنا أن نقرأ.. أن نفكر.. أن نكتب.. أن ننشر إنارة للعقول، ومقاومة للجهل والعمى.
إخوتي الكرام،
إنني وأنا أثمن هذا الجهد في "انطلاق منشورات الشاعرة خديجة بنت عبد الحي" بهذا الكم والكيف من الكتب والأعمال والدواوين لألتمس من القائمين عليه وضع الخطط الكفيلة باستمراره كل سنة في مثل هذه اليوم، حتى يترك هذا الجيل للأحفاد ما يضمن له الاحترام، وحتى نفي لهذه الأرض بحقها علينا: أن نترك فيها الكتاب: مستودع العلم والإلهام والإبداع، وينبوع القيم والمكارم، والعاصم من الفتن والحروب، ومشعل التنمية الحقيقية.
ومن خلال مؤسسة بيت الشعر التي ترعاها دائرة الثقافة بحكومة الشارقة، والتي أضطلع اليوم بإدارتها، ومن خلال مجموعة من المفكرين والمبدعين تجمعوا تحت عنوان: "سدنة الحرف" أتشرف بالانتماء إليهم، وكذلك من خلال آخرين انتظموا في "المنتدى الموريتاني للأدب واللغة والثقافة".. من خلال ذلك كله أعاهدكم أن نضاعف العمل بكل الوسائل حتى يتعزز الجزء الذي نقوم به من نشر ثقافتنا وإبداعنا؛ معلنين استعدادنا للتعاون مع جميع الكتاب والشعراء والمثقفين فرادى وجماعات، ومع الأجهزة الرسمية في سبيل وضع خطط ثقافية: غايتها النهوض بتراث هذا المجتمع تحقيقا ودراسة، وتشجيع الإبداع والمبدعين فيه عن طريق نشر أعمالهم ودراستها.
وخلص الأستاذ الدكتور ولد السيد إلى القول "وفي الختام اسمحوا لي أن أخص بالشكر الدكتور بدي ولد أبنو، مدير معهد الدراسات والأبحاث العليا في بروكسيل، على جهده في تنظيم هذا اللقاء، وفي تنظيم لقاءات أخرى، وفيما يقوم به من دعم الثقافة والمثقف وطنيا وإقليميا وعالميا؛ بما حقق به لهذا الوطن سفارة ثقافية نجني ثمارها من حيث ندري ومن حيث لا يدري؛ راجين من المولى عز وجل أن يعينه على ذلك، وأن يوفقنا جميعا لما فيه مصلحة هذا الوطن.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".
هذا، وأعرب المتحدث باسم أسرة الراحلة الشاعرة خديجة عبد الحي عن ارتياحهم لما قام به الاتحاد وبعض الهيئات الأخرى من تثمين لإنتاجها الأدبي شعرا ونثرا من خلال تنظيم العديد من المناسبات للإشادة به.