نجح الضغط الاردني في إعادة تشكيل وفد تفاوضي جديد من قادة الفصائل المسلحة في الجنوب السوري للقاء الجانب الروسي والعمل على اتفاق تسوية يشمل مناطق درعا والقنيطرة معا مع استمرار المعارك في جنوب سوريا وتحديدا في محافطة درعا، شرارة ما اطلق عليه بالثورة.
فقد تمكن الجيش من تحرير نحو 70 بالمائة من مساحة محافظة درعا بالتعاون مع القوات الرديفة حيث استطاع التقدم خلال أربعة ايام في ريف درعا الشمالي الشرقي والريف الشرقي للمدينة مع اشارات لوصول قوات النخبة الى تلك المنطقة القريبة على الحدود الاردنية، فهل لتطورات الساعات الاخيرة علاقة بقمة الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمر بوتين في العاصمة الفنلندية في 16 يوليو؟ وهل نشهد ميلاد قمة بين ترامب والرئيس السوري بشار الاسد وخصوصا بعد عبارات الغزل التي اطلقها مستشار الامن القومي الاميركي جون بولتون في الرئيس السوري من حيث أن لا مشكلة بين الادارة الاميركية والرئيس السوري استراتيجيا وهذا يعني على المدى البعيد ان الاسد هو الرئيس القادم لسوريا دونما تغيير بدعم هذه المرة من موسكو وواشنطن.
بعد أن اتخذت الحكومة السورية قرارها عقب تحضير وتهيئة ميدانية في الجنوب عبر خطيين متوازيين: المنحى العسكري الذي شهد نقل القوات من دمشق وريفها بعد تحريرها من الارهاب الى الجنوب السوري أما المنحى الثاني فيتمثل في النهج التصالحي إذ بادرت الأجهزة المدنية والأمنية بالاتصال بالسكان في المناطق التي خضعت لسيطرة المسلحين لاعوام. فتم رسم خريطة التحرير تبعا لكل قرية او ضيعة أو ناحية، فمنها ما حرر بالمصالحة، ومنها بالقوة العسكرية ومنها ما هو مزيج من العملين العسكري والتصالحي معا. فتسارعت وتيرة التحريرفي الجنوب بسرعة شكلت صدمة لدى دول كانت تدعم المعارضة المسلحة وتأوي عناصرها.
ولقصة الجنوب السوري حكاية مع ترامب. فللرجل الف قصة وقصة كحكاية الف ليلة وليلة. فمن يتابع اداء الرئيس الامريكي دونالد ترامب سيدرك انه يعرف ما يريد كرجل اعمال على الرغم من كل الانتقادات التي توجه ضده. فهو يريد اليوم من لقائه مع الرئيس الروسي جس النبض قبيل الطلب من بوتين اعادة العلاقات الروسية الاميركية الى مرتبة ترقى بدولتين عظميين. يريد ان يضمن أن لا تتأثر القوات الاميركية والحليفة معها في قاعدة التنف بالتقدم العسكري السوري. فترامب ليس رجل حرب بل رجل اعمال وهو من يُسوق عن طريق صهره جاريد كوشنر لما يسمى بصفقة القرن لأنه كتب أي ترامب كتابا منذ مدة بعنوان: “فن الصفقة” وكان هذا الكتاب مبنيا على صناعة الازمة للكسب منها والحصول على المال عن طريق التلاقح ما بين السياسة والاقتصاد.
لطالما أعلن الرئيس الاميركي اعجابه بشخص الرئيس الروسي بوتين. فلقاؤه مع الرئيس الروسي هو لكسب صفقات مالية واستثمارية للشركات الاميركية على حساب الشركات الاوروبية التي تعاني من ضغط اميركي اوصل معظمها الى حالة من الافلاس والعجز والمديونية الكبيرة. هو باختصار لا يريد الشراكة الاوروبية بل يريد الفرص الروسية الواعدة.
ترامب التقى في شهر يونيو الماضي بما اسماه الاعلام الغربي ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ اون الذي ناصب العداء هو ووالده ليس لواشنطن فقط بل وللدول الغربية جميعها لمدة زادت عن أربعة عقود. إذا كان اللقاء قد جمع قطبين على عداء كامل، هدد كلاهما الاخر بالسلاح النووي فهل هناك مستحيل في علم السياسة ان يطلب ترامب من بوتين ترتيب لقاء بين ترامب والاسد في عاصمة محايدة مثل سنغافورة مثلا او ماليزيا؟
منذ بدء الازمة السورية في العام 2011، حققت تل أبيب حلمها باعتراف ترامب بالقدس عاصمة ابدية لإسرائيل وصار الحلم حقيقة حين نقلت السفارة الى القدس. واليوم يمهد الرئيس الاميركي لاعلان صفقة القرن التي سنعلن عن بنودها فيما بعد في مقالات قادمة وهي مؤكدة من مصادر خاصة مقربة من المستشارين للبيت الابيض. الرئيس الاميركي قالها علنا إبان حملته الانتخابية أنه لولا دعم واشنطن لدول في الشرق الاوسط لما تمكنت تلك الدول من الاستمرارية اكثر من 14 يوما.
في الماضي تم تحذير الاسد بأنه ما عليه للحيلولة دون وقوع كارثة في سوريا سوى ان يعلن براءته من الحلف الايراني. وحين رفض هذا الامر، دُبر لسوريا ما دُبر وعلى مدى سنوات لتدمير بنيتها التحتية والاجتماعية والاقتصادية والزراعية والموزاييك الرائع الذي ساد بلد أول نوتة موسيقية واول حضارة عرفها الانسان ومهد الديانات والانبياء. من يعي حقيقة ما حيك لسورية يرى بأم العين ان سورية لم تكن الا هدفا لتحقيق الامن القومي الاسرائيلي عبر بناء منطقة يتم ضمها الى الجولان المحتل من القنيطرة المحررة لتكون جزءا من اسرائيل فيما بعد ويتم انتزاع سيادتها من سوريا، وبعد ذلك يصار الى ضمها الى الجولان وعندها لا يمكن استعادة الجولان لأن كامل الارض ستصبح تحت سيطرة اسرائيل بعد أن تقوم جهات دولية بعمل استفتاء عام.
من الواقعي أن تكون سوريا والشعب السوري في الداخل والخارج — من هم وطنيون حتى النخاع — من أشد المتأثرين بتلك الازمة التي فرقت الاحبة ولكن الدعم الروسي كان هو المفصل. عادت الاتصالات الدولية المباشرة وغير المباشرة مع دمشق وبات الحوار الاميركي مع الجانب الحكومي السوري غير المباشر منذ مدة وعن طريق لبنان وروسيا والعراق.
لقاء ترامب بوتين يعني أن الادارة الاميركية والحكومة الاسرائيلية تعيان أن لا صفقة قرن ممكنة دون الحضور السوري لأن كفة الميزان السورية وخصوصا التقدم الاخير الذي احرزه الجيش السوري في الميدان قد قلب الموازين رأسا على عقب واستدعى أن يكون للرئيس السوري موقف يتناسب مع حجم الانتصار السوري في الحرب العالمية التي شنها العالم ضده.
باختصار فإن لقاء ترامب وبوتين يوحي بان هناك طلبا بلقاء قد يجمع الرئيس الاميركي بالرئيس السوري في المستقبل القريب تمهد له روسيا على نار هادئة. فهل يعيد العرب علاقتهم بسوريا قبل أن تعطي واشنطن لهم التعليمات؟ وهل يطبع العرب علاقتهم بالرئيس بشار الاسد قريبا؟