حاولوا أن تتخيلوا معي هذا المشهد الفظيع: عائلة تتكون من أب شاب وأم شابة وابنتهما الرضيعة تتعرض لإصابات بليغة في حادث سير، وتقضي هذه العائلة داخل حطام سيارتها، وهي تحت شاحنة، ما يزيد على أربع ساعات وعشرين دقيقة دون أن تجد من ينقذها ولا من يسعفها.
الحادث لم يقع في نقطة نائية، ولا على طريق صحراوي غير مأهول، الحادث وقع على المقطع الأكثر حيوية والأكثر خطورة من طريق "الألم". الحادث وقع على بعد 96 كلم من العاصمة نواكشوط!
مثل هذا الحادث الأليم كان متوقعا في كل حين، فالغشوات هي واحدة من عشر نقاط بالغة الخطورة، تقع على مقطع طوله 100كلم يمتد بين "واد الناكة" و"بوتلميت"، ويعد من أكثر المقاطع خطورة على طريق "الألم"، فعلى سبيل المثال فإنه خلال الأسبوعين الأخيرين وقعت خمس حوادث سير في المكان ذاته، وكان آخرها انقلاب شاحنة يوم الاثنين الماضي.
في نهاية شهر مارس الماضي، وخلال خمسة أيام فقط رصدنا في حملة "معا للحد من حوادث السير" خمسة حوادث سير، أي بمعدل حادث سير كل يوم، تم تسجيلها على المقطع الذي يبلغ طوله30 كيلومترا من المائة كيلومتر الواقعة بين "واد الناكة" و"بوتلميت"، وأدت هذه الحوادث الخمسة إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، وكانت على النحو التالي:
ـ مساء الخميس الموافق 22 مارس 2018 شهد المقطع حادث سير أدى إلى وفاة خمسة أشخاص (أربعة منهم من عائلة واحدة). وكان السبب المباشر للحادث هو حفرة غير مرممة.
ـ مساء الجمعة الموافق 23 مارس 2018 شهد هذا المقطع حادث سير لم يكن مميتا ولله الحمد، ولكنه تسبب في أضرار كبيرة لسيارة جديدة من نوع "تويوتا هيليكس" انقلبت مرتين بسبب الحادث، وكان السبب المباشر للحادث هو الحفر.
ـ مساء السبت (ليلة الأحد) الموافق 24 مارس 2018 شهد هذا المقطع حادث سير، ولكنه لم يتسبب ولله الحمد في أضرار بشرية. السبب المباشر للحادث هو الحفر.
ـ مساء الأحد (ليلة الاثنين) الموافق 25 مارس 2018 شهد هذا المقطع حادث سير، ولكنه لم يتسبب ولله الحمد في خسائر بشرية . السبب المباشر للحادث هو الحفر.
ـ مساء الاثنين (ليلة الثلاثاء) الموافق 26 مارس 2018 شهد هذا المقطع حادث سير مميت تسبب في وفاة 3 أشخاص، وإصابة 7 أشخاص بإصابات بليغة، و8 أشخاص بإصابات خفيفة. السبب المباشر للحادث هو التجاوز في منطقة خطرة.
بعد رصد تلك الحوادث المتتالية أصدرنا في حملة "معا للحد من حوادث السير" بيانا نشرناه في بعض المواقع، وطالبنا فيه الجهات المعنية ـ مع أمور هامة أخرى ـ بضرورة توفير سيارات إسعاف وفرق إنقاذ مجهزة تجهيزا كاملا للتدخل السريع من أجل إنقاذ الأرواح، وأكدنا أهمية توفير تلك الفرق، خاصة على المقطع الأكثر خطورة من طريق "الألم".
لم تهتم الجهات المعنية كعادتها بالبيان، بل على العكس من ذلك، فقد وجدنا في الحملة مضايقات كثيرة من وزارة التجهيز والنقل، ففي تلك الأيام التي نشرناها فيها البيان أسقطت آليات تابعة للوزارة، واحدة من ثلاث لافتات كبيرة وضعنها عند مخارج العاصمة للتحذير من السرعة المفرطة.الآليات التابعة للوزارة أسقطت لافتة الحملة الموجودة على "طريق الألم" عند نقطة تفتيش الشرطة، وذلك على الرغم من أن اللافتة كانت على مسافة بعيدة نسبيا من حافة الطريق. ومن قبل ذلك فقد ضايقتنا الوزارة، وقد حاولت في العام 2016 أن توقف أنشطة الحملة التحسيسية التي كانت تنظمها عند نقطة تفتيش الدرك ب"تيفيريت"، ولكن قطاع الدرك رفض أن يستجيب للوزارة، وسمح لنا في الحملة بمواصلة أنشطتنا التحسيسية حول السلامة الطرقية.
لقد حاولنا في الحملة منذ انطلاقها في العام 2016 أن نلفت انتباه الجهات المعنية على المجازر التي تقع على الطرق والتي تحصد الكثير من الأرواح، وتتسبب في كل عام في حصول الكثير من العاهات المستديمة. وللفت الانتباه ولإنارة الرأي العام، فقد عملنا على كشف الحصيلة الثقيلة التي تتسبب فيها حرب الشوارع (حوادث الطرق)، والتي وصلت في الفترة ما بين ( 2003 ـ 2015) إلى 103301 حادث سير، تسببت في إصابة 37509 شخص، وموت 2669، وهنا نتحدث عن الموت الفوري بسبب حوادث السير، فالذين يموتون فيما بعد بسبب إصاباتهم يتم تسجيلهم في خانة الجرحى لا في خانة الموتى.
هذه الأرقام الكبيرة تعني بلغة المتوسطات الإحصائية بأنه في كل ساعة وست دقائق يقع على الأراضي الموريتانية حادث سير، وفي كل ثلاث ساعات يصاب شخص في حادث سير، وفي كل 42 ساعة يموت شخص بسبب حادث سير.
للأسف في العام 2017 ازداد عدد الموتى بسبب حوادث السير، فوصل العدد إلى 443 حالة وفاة، أي حالة وفاة كل 19 ساعة تقريبا.
لقد آن الأوان لأن نعمل بجد ـ رسميا وشعبيا ـ للحد من حوادث السير، ولذلك فإن فاجعة "الغشوات" يجب أن لا تمر بدون حساب، فبأي منطق ينشغل وزير التجهيز عن قطاعه بحصد وحدات حزبية، وذلك في وقت تحصد فيه طرقنا المتهالكة المزيد من الأرواح؟
رحم الله ضحايا فاجعة "الغشوات" وأسكنهم فسيح جناته، وألهم ذويهم الصبر والسلوان..خالص التعازي لذوي الضحايا..إنا لله وإنا وإليه راجعون.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل