لقد بعثت لوائح ترشيحات الحزب الحاكم عدة رسائل، وإذا ما قرأنا هذه اللوائح ـ وأعدنا قراءتها ـ مع التركيز على اللائحة الوطنية، فإننا سنخرج مع كل قراءة جديدة برسالة جديدة.
القراءة الأولى : نظام ولد الطايع يعود بقوة
إن تربع أحد رجال نظام ولد الطايع على رأس ترشيحات اللائحة الوطنية للحزب الحاكم ليقول بلغة سياسية فصيحة وصريحة جدا بأن النظام القائم قد قرر أن يعود جهرا ـ لا سرا ـ إلى حضن نظام ولد الطايع.
فأن يتصدر المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في الفترة ما بين (2001 ـ 2003)، والمفوض المكلف بحقوق الإنسان ومكافحة الفقر وبالدمج في الفترة من 2003 إلى صبيحة يوم انقلاب 3 أغسطس 2005، فأن يتصدر مثل ذلك الرجل الذي ظل ولد الطايع راضيا عنه حتى آخر لحظة، اللائحة الوطنية لترشيحات الحزب الحاكم، فإن ذلك يعني أن نظام ولد عبد العزيز لم يعد يخجل من المجاهرة بأنه مجرد نسخة غير محسنة من نظام ولد الطايع. تتأكد هذه الرسالة بوجود أسماء أخرى قد تم ترشيحها في لوائح أخرى من أمثال كابة ولد أعليوه الذي يرأس لائحة كنكوصة، ومحمد المختار ولد الزامل عن مقاطعة أوجفت، والعربي ولد جدين عن مقاطعة شنقيط، وسيدنا سوخنا عن لائحة سيلبابي، وختار ولد الشيخ أحمد من اللائحة الجهوية للحوض الغربي..إلخ
القراءة الثانية: موت الشعارات
تؤكد ترشيحات الحزب الحاكم للائحة الوطنية ولبقية اللوائح الأخرى بأن شعارات: محاربة الفساد وتجديد الطبقة السياسية وتمكين الشباب قد انتهت صلاحياتها بشكل كامل، فعلى الرقم السادس من اللائحة الوطنية يوجد اسم السيد زيني ولد أحمد الهادي، والذي كان ضحية من "ضحايا الحرب على الفساد"، فقد تم تجريده من مهامه كمدير للميزانية في يوم الخميس الموافق 19 نوفمبر 2009، وقد تم اتهامه حينها بالفساد.
في هذه اللائحة غابت أسماء شبابية معروفة، منها من هو قادم من فسطاط المعارضة، ومنها من كان ضحية لشعار تجديد الطبقة السياسية، فأين هو الشباب الذي دافع باستماتة عن نظام ولد عبد العزيز خلال السنوات الأخيرة؟ ولماذا تم استبعاده من لوائح الترشيحات؟ ربما لا يكون الحال عند المعارضة أفضل، ولكن المعارضة قد يشفع لها بأنها لم ترفع في أي يوم من الأيام شعار تجديد الطبقة السياسية. عموما سيأتي الوقت للحديث عن ترشيحات المعارضة، والتي لم تكن هي أيضا على مستوى التحدي.
القراءة الثالثة : حنين إلى المأمورية الثالثة
إن منح الرقم الثالث على اللائحة الوطنية للنائب محمد ولد التراد، صاحب الدعوة الشهيرة إلى تأسيس مملكة موريتانية، ليؤكد بأن الحنين إلى المأمورية الثالثة ما يزال قائما، فهذا النائب ظل غائبا بشكل كامل عن المشهد، ولم يعرف خلال مأموريته بأي مداخلة تذكر في الجمعية الوطنية، وذلك على الرغم من معاناة المقاطعة التي يمثلها، والتي توجد بها قرية ازرافيات التي شهدت حالات وفاة بسبب سوء التغذية. لم يعرف هذا النائب إلا بمداخلته المثيرة للشفقة والتي طالب من خلالها بتأسيس مملكة موريتانية، ولذلك فإن منحه رقم 3 على اللائحة الوطنية قد يثير الشكوك من جديد حول مسألة التمديد، فهناك سيناريو يقول بأن ولد عبد العزيز سيعمل ـ إن حصل على أغلبية كافية في البرلمان القادم ـ على تمرير تعديلات دستورية جديدة تصاحبها مسيرات واعتصامات شعبية حاشدة تطالب بالتمديد، ويقول هذا السيناريو بأن ولد عبد العزيز سيمدد لنفسه، بحجة أنه لا يستطيع إلا أن يرضخ للشرعية الدستورية التي يمثلها البرلمان، والشرعية الشعبية التي تمثلها تلك الاعتصامات التي سيتم تنظيمها في الساحة المقابلة لمقر مجلس الشيوخ. هذا السيناريو تدعمه عودة لافتات المأمورية إلى الشوارع، كما تدعمه التصريحات الوقحة للناطق الرسمي باسم الحكومة، والتي كررها خلال مؤتمرين صحفيين متتالين دون أن تجد ردا مناسبا من المعارضة الموريتانية.
يحدث هذا في موريتانيا، أما في النيجر فقد تم توقيف شابين بتهمة " التآمر ضد النظام الدستوري"، وذلك بسبب دعوتهما للتمديد ولمنح رئيس النيجر مأمورية ثالثة. وقد قال رئيس الحزب الحاكم في النيجر بأن تلك الدعوة هي بمثابة دعوة لانقلاب دستوري.
القراءة الرابعة: مكانة لا تليق بالعلماء
في يوم الأربعاء الموافق 9 مايو 2018 طالب رئيس رابطة العلماء الشيخ حمدا ولد التاه من الرئيس محمد ولد عبد العزيز الترشح لمأمورية ثالثة، وفي أول يوم من رمضان، وعلى هامش الإفطار الذي نظمته الرئاسة، طالب رئيس رابطة العلماء من الرئيس الموريتاني ترشيح العلماء للبرلمان، فوجودهم هناك هو أمر في غاية الأهمية.
إجابة الرئيس ولد عبد العزيز كانت على النحو التالي : منح الرتبة عشرة على اللائحة الوطنية للشيخ لمرابط ولد محمد الأمين، ومنح الرتبة 14 على اللائحة الجهوية للفقيه الدرديري ولد باب ولد معطه. هذه الرتب المتأخرة جدا تعني بأن العلماء لن يصلوا إلى البرلمان عن طريق الحزب الحاكم، اللهم إلا إذا صدقنا بأن الحزب الحاكم قد انتسب له مليون ومائة ألف، وبأن المليون ومائة ألف منتسب ستصوت له، مما يعني بأن البرلمان القادم سيكون من حزب واحد.
القراءة الخامسة : الأقل أداءً هو الأولى بإعادة الترشيح
يلاحظ من لوائح الحزب الحاكم بأن النائب الأسوأ أداءً كان هو الأولى ـ حسب فلسفة الحزب الحاكم ـ بإعادة الترشح، فهناك نواب أكملوا مأموريتهم دون أن يعرف الناس أسماءهم، ومع ذلك فقد أعيد ترشيحهم. ولعل المثال الأبرز في هذا المجال هو نائب كبني السيد باباه ولد أحمد بابو الذي أعيد ترشيحه للمرة السادسة، فمنذ العام 1992 والسيد باباه يشغل مقعد نائب عن مقاطعة كبني، فهل فيكم من يعرف هذا النائب الذي احتفظ بأحد مقاعد مقاطعة كبني لأكثر من ربع قرن؟ وهل فيكم من يتذكر له مداخلة؟ يأتي في المرتبة الثانية السيد محمد المختار ولد الزامل الذي ظل نائبا منذ 1992، وأعيد ترشيحه هذه المرة، ولم يتغيب عن الجمعية الوطنية منذ تلك الفترة إلا خلال إنابة واحدة.
القراءة السادسة: لا احترام للقانون ولا للمشاعر الوطنية
لم يحترم الحزب الحاكم في ترشيحاته أحكام القانون النظامي رقم (008 / 2018) الصادر بتاريخ 12 فبراير 2018 المعدل لبعض أحكام القانون النظامي رقم (034/ 2012) المتعلق بتشجيع نفاذ النساء للمأموريات والوظائف الانتخابية.
لم تحترم لوائح الحزب الحاكم التناوب في الترتيب المنصوص عليه لتشجيع نفاذ النساء، ولم تحترم التوازن في العدد الإجمالي، حيث يجب أن لا يزيد الفارق بين المترشحين من الجنسين على واحد في كل لائحة. في اللائحة الوطنية للحزب الحاكم يوجد 16 رجلا مقابل 4 نساء!!. ومن مظاهر عدم احترام القانون ظهور اسم في اللائحة الجهوية للحزب الحاكم كان قد ظهر مترشحا في حزب آخر!!
وتبقى الحالة الأكثر استغرابا هي ترشيح من كان يقاتل في يوم من الأيام ضد الجيش الموريتاني، فإن صح ذلك الترشيح، فإننا في هذه الحالة سنكون أمام أكبر خطأ في ترشيحات الحزب الحاكم.
القراءة السابعة : الرقم 17 أي دلالة؟
جاء النائب الخليل ولد الطيب في مؤخرة اللائحة، وتم منحه الرقم 17، وما تأخير النائب الخليل في اللائحة حالة فريدة من نوعها، فنظام ولد عبد العزيز قد عُرف بسوء التخلص من أنصاره، فأين ولد بوعماتو؟ وأين "ولد المعلى" قارئ البيان الأول، وأين الدكتور الشيخ ولد حرمة؟ وأين ولد الباتة؟ وأين ولد الرايس؟ وأين العقيد أحمد بمب ولد بايه؟ وأين محسن ولد الحاج؟ وأين الكتيبة البرلمانية التي غابت بشكل كامل عن هذه الترشيحات؟
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين الفاظل