العلاقة بين صحراء الملثمين’ أو بلاد شنقيط ..والمترو بول’ أ وبلاد ألغال... علاقة عميقة وقد تعود إلي قرون خلت..!! وإذا كان ذلك الارتباط في العلاقات قدرا تاريخيا لامناص منه بين بلدين «صديقين".. كموريتانيا وفرنسا’ومرتبطين في ما يبدو’ ارتباطا لا انفكاك منه في الأمد المنظور..!! فلا يعني ذلك إن رغبات باريس المجحفة تعد أوامر واجبة التنفيذ بالنسبة لحكوماتنا’ وقدرا مقدورا لا خيار فيه و لا محيد عنه لانوا كشوط ..!!
وحتى و ا ن ظلت موريتانيا هي المستعمرة السابقة الصغيرة.. وفرنسا هي الدولة العظمي. فلا منطق ولامعني من وجهة نظري المتواضعة’إن تأخذ نواكشوط صدارة قوات الاحتلال الغربية بمالي المسماة بالجي 5’ وهو الغزو الاستعماري الجديد الذي لا يعلن عن نفسه!!!
قوات غزو واحتلال’ لفقت لها وعلى عجل ألوية عسكرية من دول افريقية فاشلة في الغالب’أتشاد مثلا ’ وبدعوي مزعومة لمكافحة الإرهاب’ دعوي الغرض منها توفير غطا ء "شرعي" لاحتلال غربي جديد للمنطقة’يحمي أنظمته التابعة و لا يسمي نفسه’ تتزعمه فرنسا ’القوة الاستعمارية السابقة’ دافعه الأول الجشع الرأسمالي’ و السطو المسلح وفي وضح النهار’ لوضع اليد علي ثروات المنطقة ومعادنها النفيسة.. وقد خلا لها الجو باستبعاد ليبيا من المعادلة الإفريقية’ باغتيال الزعيم معمر ألقذافي’ تقبله ألله في فردوسه الأ علي’ وتدمير بلده علي يد حلف الناتو إياه’ وبفتاوى من أفتاه!! وكل ذ لك بقيادة فرنسا ساركوزي’ ولا يتعلق الأ مرهنا بقوات حفظ السلام الأممية لتابعة لمجلس الأمن الدولي’ والتي تعتبر مشاركة بلادنا فيها مشاركة فعالة و مشرفة ومشروعة.
وليس سرا أن ا لصديق الجديد لرئيس بلدنا العجيب.. وربما كان قد "أغراه" بالمفيد’ أعني السيد ماكرون’ ضيف قصر الاليزيه اليوم’ بمعية عجوزه العرمس الزبون’وهو الذي ترعرع وشب عن الطوق بمؤسسات روتشيلد’وإذن فصاحبنا وكما ترون’ منتج يهودي لا غبار عليه وبامتياز!! ولن يكون الجشع إلا احدي خصاله غير الحميدة.
وحتى وان لم يمانع ماكرون’ صديقنا اللدود بالاليزيه في ما يبدو’ في مأموريات صاحب الفخامة’ ولعبة الكراسي المزمعة.. وهي العملية التي مازالت يكتنفها الكثير من الغموض وعدم وضوح الرؤية. وهي عملية بالمناسبة’ و طبعا مع وجود الفارق’ لعلي لا أمانع فيها شخصيا علي الأقل من جانبي’ هذا إذا كان ذلك سيرجح كفة النأي برئيسنا عن حروب الوكالة الخاسرة ’ تلك التي أثبتت فشلها وفشل من يوظفون فيها ’أنظمة ودولاوجيوشا.
إلا أن الرغبة في البقاء في دفة الحكم مع ذلك وفضلا عنه’والضوء الأخضر من الحليف القديم الجديد’ومهما يكن من أمر’ لا ولن يشفع للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في خوض حروب الوكالة’لأحلاف العدوان الغربية ’ذات الطبيعة الامبريالية’ والتي لا ناقة لنا فيها ولا جمل ’بل وتصدر هذه الحروب’وأعيذه و بلادنا المسالمة’لاقدرالله’ من "كرية مندريش" الحيوان المسالم ’ وهو الذي أغروه يوما’ وبحسب الحكاية’ بملء جلده ذهبا’ ولن يتأتي لهم ذلك إلا بعد سلبه الجلد الثمين و قد ذبح من الوريد إلي الوريد!!
ومع الأخذ في الاعتبار أ ن بلدينا هما الصديقان و الحليفان.. وكما سبقت الإشارة’ فهما كذلك ا لبلدان اللذان يختلفان تقريبا في كل شيء ..في الجغرافيا وفي التاريخ’ إلي تجربة الدولة.. وفي الدين واللغة والحجم والقارة.. و الاستراتيجيات والأهداف والمستوي الاقتصادي وفي القيم ..!! لكن ظلت ومنذ الاستقلال وعلي وجه التحديد تجمعهما مصالح مشتركة "عليا" شبه دائمة.. تبررها
طبيعة الدولة الحديثة وطبيعة السلطان.
علما أن هذه البلاد الصحراوية الشاسعة في أقصي الغرب الإسلامي’ و أعني موريتانيا ’لم تعرف قط الدولة المركزية في تاريخها الطويل’ علي الأقل في المحفوظ منه مما قبل الغزو الأجنبي بداية القرن الماضي’ ثم من بعده الاحتلال. احتلال بانحساره ستقوم الدولة الوطنية الحديثة الجامعة.. إلا خلال عهد يتيم هوا لعهد ألمرابطي’ أي حوالي منتصف القرن الخامس للهجرة’ ولأقل من قرن.. وضمن دولة المرابطين المذكورة.
وعلي الخلاف من ذلك ظل لكزاغون في عز دولة فرنسية مركزية موطدة الأركان ’وقد قامت علي أسسها السليمة و منذ عهود سحيقة.. فعبد الرحمن الغافقي أحد أمراء الفتوح الإسلامية في القرن الأول الهجري’ استشهد في جبال البيرينه الفرنسية وهو يتقدم جحافل الجهاد في عهد الإمبراطور شارلمان الأول! !
بيد أن غياب السلطة المركزية ولفترة طويلة في هذه البلاد البرزخية.. لم يمنع في أي وقت من الأوقات قيام علاقات قوية ومتعددة الأغراض بين الإمارات ا لبيضا نية المتغلبة في هذه الصحراء اللمتونية من جهة ودولة فرنسا. وفي مختلف العهود والملكيات والأنظمة.. مما قبل ثورة الباستيل الباريسية وما بعدها.
ومن ذلك المعاهدات المتنوعة بين إما رة اترارزة وفر نسا... و منها واحدة بالقرن الثامن عشر تقضي با لسماح للأخيرة بالتواجد بالشواطئ الأطلسية التابعة للإمارة حول اندر" سان الوي" فيما بعد’ بغرض "التجارة". ناهيك بالمعاهدات المختلفة التي تنظم التبادل التجاري في ذلك الوقت .. وبما في ذلك تجارة العلك حول النهر والشاطئ.. والإ تاوات المقررة بينيا و موسميا علي دولة فرنسا من طرف إمارات ا ترارزة ولبراكنة واد وعيش.. والمرتبطة بذلك المجال.
و هي إتاوات ظلت سارية المفعول قبل إن تضع حدا لها وبشكل نهائي الحملة العسكرية الفرنسية علي أرض البيظان بقيادة كوبولاني الهالك بتجكجة 1905’ وهي الحملة التي علي أعقابها تم الإعلان رسميا عن إنشاء مستعمرة موريتانيا 1903.
وإذ أن الأمور استمرت علي ذلك المنوال ’وإلي إن أعلنت ا لدولة الوطنية ا لمستقلة برحيل الاستعمار المباشر نهاية خمسينيات القرن المنصرم من شبه المنطقة. وقد اصطلي يوم ئذ الاحتلال الفرنسي الغاشم بجحيم الثورة الجزائرية المسلحة والمجيدة ’فاتح نوفمبر 1954.
كل تلك المقدمة وذلك التمهيد كان لابد منه لفهم بعض خلفيات العلاقة الموريتانية الفرنسية المتداخلة والغنية.. والمتناقضة أحيانا أخري !!
علاقة ما فتئت تتعزز وتمتاز بالحيوية والمتانة’ وطورا تراوح مكانها.. وخصوصا منذ إعلان الاستقلال والتخلص من الاحتلال والتبعية المباشرة للأجنبي. أجنبي مابرح له دوما مشاريعه وأجنداته الخاصة به.
وسنري انه ومنذ إعلان استقلال الدولة الموريتانية بداية ستينات القرن الماضي’ستشهد العلاقات الموريتانية الفرنسية تعاونا بناء ومثمرا ومستمرا وفي أكثر من مجال .. ’ وأيضا توترا مزمنا وان كان مفهوما وله أسبابه ودوافعه ودواعيه’ وفي محطات تاريخية مختلفة تخللت عهود معظم الرؤساء السابقين.. بدء بالراحل المختار ولدداداه’ وانتهاء بمعاوية ولدالطايع.
إذ سيختا رالمختار ولد داداه وفي وقت مبكر’ رغم أطماع المغرب في ذلك الوقت وفاقة البلد’و حاجته الماسة إلي الخزينة والدعم الفرنسيين’ والذي لاغني له عنه’ الاصطفاف إلي جانب الثورة الجزائرية’ منددا في الوقت ذاته بالحرب الاستعمارية الشعواء التي تخوضها فرنسا في الجزائر’ ومعلنا تضامن موريتانيا مع الشعب الشقيق ووقوفه إلي جانب حرية الشعب الجزائري واستقلا له. ورافضا أملاءات الجنرال ديغول بخصوص الصحراء الجزائرية.. ثم أشفع كل ذلك في وقت لاحق بالانسحاب من مجموعة دول الانتات الإفريقية وهي الموا لية لسياسات فرنسا من دون أي قيد أو شرط.. ثم إعلانه فيما بعد قرار التعريب’ وبعد ذلك الانسحاب من الفرنك ’وأخيرا تأميم ميفرما !!
وسيرفض ولد هيدالة من جهته أملاءات تعويم العملة الوطنية الأوقية’ إذ كان الأمر يمثل رغبة غربية ملحة’ مررها عبرا لبنك الدولي ومستشاريه في ذلك الوقت’ وأظنه ممن كان تحفظه مبدئيا في موضوع التسهيلات العسكرية للقوي الخارجية.
وأما إحساس ولد الطايع بالكرامة فقد كان عاليا’و كان مضربا للأمثال..وكذا شانه في موضوع السيادة.. إذ انه قرر طرد التعاون العسكري الفرنسي بمستشاريه و بجرة قلم وجملة’ وفرض التأشيرة علي حاملي الجنسية الفرنسية ومن دون استثناء’ وفي وقت وجيز’ ردا منه علي اعتقال الضابط الموريتاني اعل ولد الداه بفرنسا وترحيل زملائه.. !! وكان ذلك في خضم تبعات إلا زمة مع السنغال.
علما آن معاوية ولد الطايع و الذي باغتته تلك الأزمة الخطيرة مع الجارة الجنوبية السنغال وأحداثها المفجعة والمتلاحقة وغير المسبوقة في الحجم والخطورة 1989’ أحداث بسببها بات البلدان الأخوان والجاران علي شفا مواجهة عسكرية مسلحة ’وبلا مقدمات.
وكان لابد من التصرف وقد صار جليا
إن الموقف الفرنسي لم يكن واضحا بما فيه الكفاية من القضية ’ومنذ البداية’وعلي كل حال لم يكن لدي موريتانيا خيارات كثيرة’ و في هذه الحالة بادر ولد الطايع إلي الاستنجاد بعراق الشهيد صدام حسين’ وهو الخارج للتو من حرب ألثمان سنوات مع إيران الخميني’ وعندها أعلن العراق وفي تجاوب سريع منه مع الشقيق’ إن أي عدوان علي انو اكشط سيعتبر عدوانا علي بغداد’ وكل ذلك بعد إن قرن القول بالفعل’ إذ بدأت المدافع والمدرعات العراقية ترد تباعا بحرا وجوا ودون توقف !! وليلا يكون هناك لبس في الموضوع’ التقي وعلى عجل سفيرا لرئيس صدام حسين في العاصمة الفرنسية باريس عبد و أضيوف رئيس السنغال’ وأبلغه رسالة صريحة من صدام تحذره من مغبة شن حرب علي موريتانيا وتحت أي ظرف!! وقد فهم أضيوف الرسالة حق الفهم .