طبيعي أن تصدر من الإسلاميين أخطاء في أصل التصور، وفي الممارسة، وأن يكون لهم خصوم، طبيعي كذلك أن يتكاثر الخصوم بالاختلاف في التصورات من جهة، وبتعدد الأخطاء من جهة، وبتعدد مجالات الحضور من جهة أخرى، فالحضور في المجال السياسي يوجب خصوما سياسيين، والحضور في المجال الثقافي والفكري يلد خصوما في الثقافة والفكر، والحضور في مؤسسات المجتمع المدني يستلزم خصوما في ذلك المجال، ولما كانت مدرسة الإخوان المسلمين تنطلق من فهم شامل للإسلام كان لزاما أن تدفع ضريبة الشمول، ومنها وفرة الخصوم.
تنقسم الخصومة إلى قسمين:
خصومة موضوعية تناقش الأفكار تصورا، والتجربة ممارسة، فتبدي العوار، وتكشف الغبار، وتهدم الإعمار، وهذه من التدافع الإيجابي الذي لولا وجوده لفسدت السماوات والأرض، فهي تبني من حيث تروم الهدم، وتقوم من حيث تريد الكسر، وتثري من حيث تريد الشطب، وفي الحصيلة تؤدي إلى التكامل والتعاذر، أطرافها في نهاية المطاف محكومون بمبادئ من قبيل الحق في التعبير والتفكير والتنظيم والاختلاف وضرورة التعايش....
يمكن أن يدرج في هذا النمط مناكفات ومطارحات مثقفي الاتجاهات الفكرية والسياسية من قومية وإسلامية ويسارية وليبرالية، حتى ولو كانت حادة، ولو جاءت في وقت يجعلها شبيهة بالتشفي الضمني، وقد نال الإسلاميين ذنوب من هذه الخصومة، سقوا غيرهم مثلها، إلا أنه نظرا لتقارب الاتجاهات السياسية الوطنية الجادة اليوم، واستشعارها خطر استبداد الأعلى، وإدراك النخبة أن استهداف أي طيف في هذه الفترة هو استهداف للديمقراطية والحريات مهما كان مستوى الخلاف معه، أضحت هذه الخصومة باهتة، وأضحى من يعمد إليها يتناولها باستحياء واضطراب، كتدوينات يعرف أصحابها أنفسهم، بل حل محله التعاطف والثناء وتأكيد التضامن.
مثل هذا الموقف من جميع القوى الوطنية بمختلف مشاربها من سياسيين ومثقفين وشيوخ محاضر ومدونين نبيل وجميل على الإسلاميين أن يردوا تحيته بتحية أحسن منها، فيثنوا على من يقف معهم اليوم من العلماء والدعاة والسياسيين من قوميين ويساريين وانعتاقيين ومثقفين ومن هم مستعصون على التصنيف، يثنوا ثناءين، على الإنصاف رغم الخلاف وثناء على الصدع بالحق، وأن يثنوا على من سكت واعتزل ثناء كف الأذى، وهنا أنصح بعض شباب الإسلاميين بالارتقاء بخطابهم وترك إساءات المغمورين والأسافل، معاملة لهم بنقيض قصدهم في الظهور والحضور.
خصومة فاجرة زائغة فاض الحقد من قلوب أربابها، فألقى في الآذان وقرا ونسج على العيون غشاوة، تعيب ما هو مزية، وتنتقص ما هو كمال، تروم القضم والهضم والمسح والإزالة، جهدها بهت وتحريف وبخس وتطفيف، تتربص الدوائر على أصحابها دائرة السوء، جعلهم الله فداء الوطن من النار التي يبغون إيقادها ويأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أن تخمد وتهمد وتجمد!!.
هؤلاء المحشون هم في الجملة ثلاث طوائف:
من يتعطر بنواقض المستبدين، كإسحق الذي يعد ويمني، وما يعد إلا غرورا وما يمني إلا ثبورا، ومن على شاكلته ممن يدعون القومية وهي منهم مناط الثريا رامها المتناول، ولعمري لا أعلم جناية أعظم على القوميين من نسبتهم إليهم، ويلحق بهذه الطائفة من يجندهم النظام في مواجهة خصومه عادة من أفراد وهيئات.
عملاء منظمات تخريب المجتمعات الإسلامية، تحت يافطات من المجتمع المدني، ونسبتهم إلى اليسار لا تقل جناية عليه من نسبة الطائفة الأولى إلى القوميين.
جاهل فرض عليه اسمه الأخير (الاسم العائلي) أن يتحدث في قضايا العلم والفكر والسياسة التي شأنه فيها كشأن الفروخ يسمع الديكة تصيح فيصيح معها على حد تعبير أمنا عائشة رضي الله عنها فيمن يتحدث في أمر ليس على مستواه.
يهرف أصحاب الخصومة الفاجرة هذه الأيام بترهات أربع :
تطرف الإسلاميين: هي تهمة أعلى ما يقدمون عليها من الأدلة أن بعض الجماعات الإسلامية المتشددة منشقة من عباءة الإخوان، بهذا المنطق فإن عليا بن أبي طالب -رضي الله عنه وكرم وجهه حاشاه- يتحمل أخطاء الخوارج، وهو أصل ضلالة فرق الشيعة من إمامية وإسماعيلية وكيسانية ونصيرية ... فكلهم خرج من عباءة مناصريه، والحسن البصري هو أصل الاعتزال وما تفرع عنه من فرق ومقالات!!
حين يخرج فرد أو جماعة عن جماعة ويختط لنفسه مسلكا آخر فإن الربط بينهما فيما لا يتفقان فيه تعسف وظلم كبير.
حين حاصرت إسحاقهم الذي ينتظرون قدومه، -وسيعرفون أن قدومه كقتاله حتى آخر رمق في سرت- حين حاصرت إسحق أسئلة صحفي عن الدليل على تطرف تواصل وقف حماره في العقبة، ولاذ بالعنف اللفظي، في إجابة تذكر في طرافتها ومحجوجيتها بإجابة مصدر عطره، حين سأله الصحفي محمد اكريشان هل من صلاحيات الرئيس أن يقيله من منصبه؟ قال: من صلاحياته ولكن ما يعمل بالليل.
في الديمقراطية لا يوجد قادح يسمى العنف اللفظي، استمع إلى رؤساء الأحزاب في أوربا وقذع بعضهم لبعض وتهكمه عليه وسخريته منه، إنما الذي لا تقبل الديمقراطية هو استخدام القوة بغير حق سواء من الحاكم أو المحكومين.
لا اعتراف ولا شراكة مع المتطرفين: لو سلمنا جدلا أن في الوطن متطرفين، فإن الدعوة إلى إقصائهم دعوة مارقة عن الديمقراطية، شرعت فرنسا الحزب الشيوعي يوم كان يكفر بالديمقراطية قبل مراجعاته الفكرية، لأساسين من أسس الديمقراطية هما:
حق كل ذي فكرة سلمية في التعبير عنها ومخاطبة الجمهور بها والعمل على استمالتهم إليها.
أن الشعب حين يختار من ليس ديمقراطيا فالديمقراطية في احترام خياره، فلا إكراه في الديمقراطية حسب مبادئها.
إذا كان هذا في حق من يعلن رفض الديمقراطية، فكيف بطيف أثبتت التجارب أنه من أكثر الأطياف تمسكا بها؟.
العمق والتشابك: يرى منظرو النظرية العالمية الثالثة التي لم يبق من آثارها إلا نظرية "الحل في الحل" أن الإسلاميين ليسوا حزبا لأن نشاطهم يتجاوز السياسة إلى الجمعيات الخيرية والمصحات والمعاهد، ولا أدري كيف يجهل أو يتجاهل هؤلاء أن هذا حال كافة الحركات التي تتبنى مشاريع مجتمعية، .. في آمريكا وأوروبا وفي مجتمعاتنا العربية وفي وطننا الحبيب، فللقوميين جمعياتهم ومراكزهم ونقاباتهم، ولليساريين جمعياتهم ومراكزهم ونقاباتهم، وهم من أنشط القوى في المجتمع المدني، وللمحسوبين على الحزب الحاكم جمعياتهم ومراكزهم ونقاباتهم، وهذه زميلتنا كانت نائبة من نواب رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ونائبة في البرلمان وهي رئيسة اتحاد العمال الموريتانيين، وهذا زميل لنا هو أمين عام لمركزية نقابية ترشح على رأس لائحة وطنية لحزب سياسي، وهذا زميل أخر قيادي في حزب سياسي ومرشح في الانتخابات يرأس جمعية للدفاع عن اللغة العربية، وهذا رئيس اتحاد أرباب العمل من موالاة النظام، وهلم جر...
أحرام على بلابله الــــــدوح حلال للطير من كل جنس؟
ازدواجية الكيل: ضاقت منافذ تسويغ الهجوم على الإسلاميين على قوم حتى قالوا إنما يفعل بهم هو ما استبشروا به حين فعله أردوكان بجماعة الخدمة ورئيسها عبد الله كولن، وهذا سخيف من وجوه:
أنه إذا كان مقياس مواقف الإسلاميين هنا ما يصدر عن حزب تواصل فلا نعلم بيانا صدر عنه مستبشرا بالتصفية في تركيا، كما لا نعلم قياديا أشاد بالتصفية، وإن كان ما ينشره المدونون فقد حذر بعضهم من الظلم والتوسع في التصفية يومها.
أن ما قام به آردوكان جاء بعد انقلاب عسكري، كاد يعصف بتركيا وجهود مجتمعها المدني.
أن ما يحدث في الخارج ليس لنا عنه إلا ما ينقله الإعلام وهو مضلل في اتجاهاته المتعاكسة، وغاية ما يصل مرحلة الظن والرجحان، أما ما يعيش المرء في مجتمعه وبيئته فقطعي، ومن من هؤلاء المحرضين على الإسلاميين ليس له قريب يدرس في مؤسسة يشرفون عليها؟ أو يتداوى في مركز صحي يمولونه؟ أو يصلي في مسجد إمامه محسوب عليهم؟، أوله منهم أصدقاء؟ ومن طرائف الأمر أنك تجد أحد هؤلاء يثني ثناء لا حدود له على أصدقائه ومعارفه من الإسلاميين، ثم يضفي على صفات إبليس صفات أشنع على مجموعهم، مع أن المنطق يقول إن اجتماع خير إلى خير يعطي جماعة أخيار، أما منطق خير إلى خير يعطي جماعة أشرار فهو منطق من تعس وانتكس وإذا أشيك فلا انتقش أعني عبد الدينار والدرهم.