لقد عرفت بلادنا الممارسة الديموقراطية مع بداية التسعينات من القرن الماضي، وإن كانت قد دخلت ابوابنا من دون إستئذان بكل محاسنها ومساوئها.
وإذا كانت الديموقراطية هي حكم الشعب نفسه بنفسه، وأختياره لمن ينوبون عنه ويتولون تسيير شؤونه العامة، فإنها مع ذلك ليست إلا بضاعتنا ردت إلينا في ثوب آخر، فما صلح منها ووافق شرعنا نأخذ به وما فسد منها وخالف شرعنا فلا غاية لنا به.
ومع مرور الزمن وتطور الممارسة السياسية عندنا وتعدد الاحزاب السياسية، وكثرة ما نظمنا من الإقتراعات طيلة الفترات الماضية إلا اننا نلاحظ مما لا يدع مجالا للشك انه من بين العيوب الأساسية في الديموقراطية هو كونها لا تفرق بين المتعلم وغير المتعلم، وبين الجاهل وغير الجاهل، والأمي وغير الامي، والمثقف وغير المثقف الخ.
فكما هو معروف فإن الأمية داء خطير وان الجهل أخطر منها، ومن الضروري جدا البحث الجاد وفي اسرع وقت عن الدواء لهما في مجتمعنا، لأن أمة غير متعلمة محكوم عليها بالتخلف أو الزوال وخاصة إذا ما كانت شؤونها العامة مدارة او تدار من طرف اميين أو جهلة، وكثيرا ما نشاهد صورا لذلك في نتائج عديدة من إستحقاقاتنا التي شهدناها ونشهدها من حين لآخر في بلادنا.
ولكن تلكم هي الديمقراطية بحلوها ومرها، بإيجابياتها وسلبياتها، فهي إذا تساوي بين صوت المتعلم وغير المتعلم، وبين صوت العالم وصوت الجاهل، وزيادة على ذلك فقد تمنح إشارة الضوء الأخضر للأمي ليتجاوز وإشارة الضوء الأحمر للمتعلم ليتوقف، وبعبارة أخرى فقد ينجح في الإنتخابات من هو أمي أو جاهل، ويفشل فيها من هو متعلم أو مثقف.
ولكن هنا أتساءل من يتحمل المسؤولية في كل ذلك؟ وما هي الأسباب المؤدية له؟ أليست هنالك بدائل افضل؟ ولماذا لا تحدد المعايير المناسبة للترشح لأي وظيفة من الوظائف الانتخابية بلدية كانت أو جهوية او نيابية؟
ولا شك ان تحديد مثل هذه المعايير، وخاصة إذا ما ارتبطت بالتعلم، وبتحديد مستوى تعليمي مهما كان ذلك المستوى فسيكون له الأثر الإيجابي على العملية التربوية بشكل عام من خلال إقبال الجميع على التعلم والتعليم بغية الوصول إلى الوظائف الإنتخابية على الأقل.
فقد أصبحت ديموقراطيتنا وبكل بساطة سلما لمن لا سلم له، او بعبارة اخرى فهي الطريق الأقصر لكل من هب ودب، وكل من فشل في مسيرته التعليمية، أو حتى إن كان ليس متعلما أصلا، فأول ما يفكر فيه هو الإنخراط في السياسة والترشح من خلال أحد الأحزاب السياسية الكثيرة العدد والقليلة الفائدة لنيل إحدى الحقائب الإنتخابية بلدية كانت او مجالس جهوية او نيابية، حتى اصبحنا نوصف لدى الآخرين بأننا بلدا اهله كلهم سياسيون ام متسيسون، ولا شغل يشغلهم سوى السياسة والسياسة فقط.
صحيح جدا أن العملية السياسية تأخذ منا أكثر ما تأخذه منا العملية التنموية، وهذا هو ما ادى بنا إلى اننا نستهلك كل شيئ ولا ننتج أي شيء.
فإلى متى تستمر هذه الظاهرة.
ولماذا لا تترك إدارة الشؤون العامة لأهل الرأي والإختصاص، وأصحاب الكفاءات والمؤهلات.
وإن كانت هناك من ميزات ايجابية في الديمقراطية وهي كثيرة طبعا، فلا شك ان من اهمها انها لا تفرق بين الأفراد والجماعات على حسب الوانهم ولا انسابهم ولا جيهاتهم ولا اعراقهم، وما إلى ذلك من الفوارق المجتمعية الأخرى، فالكل سواسية أمام الديموقراطية.
وهذه لعمري من محاسن الديموقراطية وهي مصداقا لقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَىأَحْمَر إلا بالتقوى َ .)
وإذا كانت الامية والجهل هي امراض خطيرة على المجتمع والوطن عموما، فلا شك أن هناك من المتعلمين والمثقفين من هم اخطر بكثير حيث يلتفون دائما حول كل من هو قادم ويتربصون به الدوائر، ويديرون ظهورهم لكل من هو مغادر.
فيمدحون العمدة الجديد والنائب الجديد ورئيس المجلس الجديد والرئيس الجديد، ويشكرونهم ويطبلون لهم ويزمرون طمعا في قليل من الدنيا زائل من مقاولات، وعطايا، ووظائف وغيرها، وفي ذات الوقت يكيلون الشتائم للسابقين المغادرين من دون خوف ولا خجل حتى من محاسبة الضمير.
أما مع رئيس الحزب أو رئيسة الحزب فحدث ولا حرج، فتراهم يحيطون به أو بها، يزينون له او لها القبيح، يقبحون له او لها الجميل، يقربون له او لها البعيد ويبعدون عنه أو عنها القريب.
وهؤلاء الأفراد المتخفيين في كل مكان خلف القيادات والمنتخبين ورؤساء الأحزاب هم الفاسدون المفسدون الذين يعيقون عملية البناء والتطور في المجتمعات والدول، وللأسف فإنهم كثيرون، وقد عمت بهم البلوي.
فإلى متى ستستمر ألاعيبهم وخداعهم.
ولكن ابشروا أيها الفاسدون المفسدون، المنافقون المخادعون فيمكن ان تخدعوا بعض الناس بعض الوقت، ولكن لا يمكن ان تخدعوا كل الناس كل الوقت.
و مما لا شك فيه بأن الزمن كفيل بتعريتكم وكشفكم على حقيقتكم ورميكم إلى مزبلة التاريخ من أجل بناء وطن خال من الإنتهازببن والمنافقين والمخادعين والفاسدين المفسدين.
مولاي إدريس ولد العربي