نحن في إطار قراءة مكاسب الإسلاميين من خامس انتخابات يخوضونها ثلاث منها في إطار مستقل من الأهمية بمكان أن نلقي نظرة – ولو مختصرة – على الأجواء التي حاطت بالتجربة وخاصة ما بعد 2006.
وفي الصدارة تأتي طبيعة النظام وسلوكه الإقصائي وتخطيطه الاستراتيجي أمام أي مكاسب سيحققونها، وذلك لما سيسببون له من حرج أمام بعض القوى الغربية التي ما زالت ترى في الإسلاميين قوة محافظة تتمسك بأصالة المجتمع المسلم وترفض المسخ الثقافي وتزن الأمور بمصالح الأمة واحترام مقدساتها، وكذلك بعض القوى العربية التي توفر دعما سخيا لإجهاض أي تقدم للإسلاميين، فهذا النظام يعتمد الهيمنة على الجهات التي تتولى الإشراف على الانتخابات كاللجنة المستقلة للانتخابات أو التي ستؤول النزاعات إليها كالمجلس الدستوري والقضاء، فلجنة ما زالت تصدر الأوامر إليها وتهيمن وزارة الداخلية على توفير وسائلها ولم تمنح من الوقت الكافي لتكوين كوادرها وانتشار طاقمها على امتداد الوطن لا ينتظر منها الكثير.
ومع أنه كان بإمكانه الاقتصار على هذه الأدوات لم يكتف بذلك، فالظروف الدولية والإقليمية ومستوى الديمقراطية في البلد يجعله اللاعب الوحيد في الساحة، دون محاسب ولا رقيب، فخصص وقتا كافيا لسحب النزر القليل من رجال الأعمال الذين اختاروا صف المعارضة بالمحاصرة تارة والتهجير تارة في خطوة ستشكل عائقا كبيرا أمام االأحزاب المعارضة وتحد من تحركاتها، فدون المال تكون الوسائل محدودة (النقل، الشعارات، توصيل الخطاب).
ولا يقل العمل الثقافي شأنا عن المال لما له من قدرة على توطين الخطاب والمساعدة على انتشار الوعي، ولذا وعن وعي تم إغلاق جمعية المستقبل، وهي رسالة قوية للطبقة المثقفة أن المستوى المسموح به من الحرية محدود.
وهذه وغيرها من الوسائل جعلت العمل المعارض عموما والإسلاميين خصوصا يعملون في ظروف غير طبيعية، ورغم ما لهذه العوامل الخارجية من دور في الحد من القدرة على المنافسة كانت هناك عوامل داخلية ومن أهمها المؤتمر الذي لا يفصله كثيرا عن الانتخابات، لما بذله جمهور الحزب وقادته بشكل خاص من جهد وما خرجوا به من إرهاق كانت الفاتورة المالية مكلفة أيضا، لاسيما على حزب معارض يقوم تمويله على تبرعات منتسبين تأثروا كما غيرهم من الواقع الاقتصادي المزري، ومع هذا كانت النتائج الانتخابية والسياسية بالغة الأهمية، ففي وقت استطاعت الثورة المضادة عزل الإسلاميين في دول عديدة وإحداث شرخ كبير بينهم والشركاء في الوطن وخاصة المعارضة المبدئية استطاع الإسلاميون هنا تشكيل تحالف مع شركائهم وإن كانوا في غنى عنه سيكون له الأثر البالغ في قلوب الطبقة المعارضة، واستطاعوا إلى جانب ذلك إعطاء صورة للشعب عكس ما يروج له النظام، وهي أن قناعتهم با لديمقراطية قناعة راسخة واستراتيجية وليست تكتيكية، وهي خطوة راهن النظام على عكسها مما أخرجه عن صوابه فبدا متشنجا في مهرجان انطلاق الحملة والمؤتمر الذي بعده فكان هو المستعمل لألفاظ جارحة والعائد إلى التلويح بالإرهاب وملحقاته من هول الفشل الذي وصل إليه من دفع الإسلاميين إلى التطرف وانتخابيا كانت النتائج مهمة وتمهد إلى منافسة مستقبلية ستكون نتائجها مفاجئة للنظام لم لا وقد حافظ الحزب على كتلته البرلمانية مع تنوع في الجهات له دلالة مهمة وهي أن الحزب ينافس في كل نواحي الوطن منافسة جادة وأن نتقبل المواطنين له في كل نواحي الوطن واستطاع المنافسة في كل المجالس الجهوية أعاد الشوط في ثمان منها وكان الفارق طفيفا بينه والنظام، ومع هذا كله كان هناك مكسب آخر يستحق الدراسة والتأمل، وكان توفيقا من الله وهدية للمشروع الإسلامي، ولا شيء أدل على ذلك من اختيار الزمان والمكان، فالزمان كان الشوط الثالث وما عرف تاريخنا شوطا ثالثا وما لمسنا له من مسوغات، والمكان كان عرفات وفي عقر العاصمة بلد الوعي وتنوع السكان والجهات بعيدا عن مناطق هيمنة القبائل والشرائح، ضف إلى ذلك العلاقة التاريخية مع الإسلاميين منذ أربع وتسعين، حين ترشح الأستاذ الحسن مولاي اعل (أمير سابق للحركة الإسلامية) فكانت تلك بداية تشكل العلاقة مع الإسلاميين حصد حصادها بعد إصلاح معاوية (البطاقة الغير قابلة للتزوير) فكان فوز الرئيس جميل فيها محيرا، وذلك في زمن كانت المعارضة فيها تعتبر جريمة وخيانة للوطن، وكان ذلك النظام أكثر سخاء وخدمة للمواطنين ومع هذا فاز الأستاذ جميل، {وما النصر إلا من عند الله}.
ومن يوم الناس ذلك وهي تسلم مفاتيحها للإسلاميين والآن أعادت الكرة وفية لجهود الخيرين، وذلكم إيجاز عن الجانب السياسي لمقاطعة عرفات (مقاطعة مركز تكوين العلماء).