في تاريخ الشعوب وعبر مسارات الزمن هناك دائما من يعمل بصمت ووقار ويضحي بلا ضجيج..يسابق نفسه في العطاء والبذل عندما يتعلق الأمر بعزة الوطن ومنعته؛ ويقف في آخر الطابور عندما تتسارع الأذرع لكسب الزاد وتنهال الأكف على مؤونة البلد ليعطي بذلك أروع وأجمل الأمثلة على عفة النفس وشرف المحتد والمنبت..
وعبر تاريخ البلدان هنالك في الغالب منعطفات ومطبات تستدعي التأمل والتدبر والبحث في بعض التفاصيل المرتبطة بواقع مسار ونقطة وصول تلك البلدان!
وفي مثل هذه اللحظات الفارقة تستدعي الذاكرة الجمعوية لا إراديا أناسا بعينهم، لجملة من المميزات منها ما هو فطري،وراثي، ومنها ما هو مكتسب بالتجربة والممارسة؛
لكن لحظة الاستحضار تلك لا تكون مجرد طيف عابر،فهي تمثل زمنا كاملا من استنطاق المآثر والقيم المراد لها أن تشكل سقفا لعملية بناء ذاتي أشرعت مراسيها على ضفاف حلم أمة لا تزال تتطلع إلى رؤية المزيد من إشراقة الأمل..
هنا تكون المفاضلة فقط على أسس من الواقعية والتجرد تعطي للأمة حقها في الاستمرار على طريق الكرامة والبناء وتحفظ في الآن ذاته شرف الارتباط بتكريم الأتراب وتستحث نبل الزهاد لمزيد من العطاء.. فتكسب الوطن فرصة الاستزادة من المنافع وتسمح بالاستفادة من تجارب كفاءات مميزة - وبالقدر ذاته تساهم في ترسيخ المشتركات القيمية لأمة عرف عنها الوفاء والصبر في مكابدة المحامد.. دون أن تقطع أرحام مشاريع النماء أو تعيد روح التفاؤل ومتعة الاستشراف إلى دائرة الحيرة والقلق التي تفضي بالضرورة إلى قهقرة المسار..
هنا،وهنا بالذات لا تكون الولإءات والمواقف المؤازرة مسألة خيارات شخصية أو جماهيرية فقط.. بل تتحول بفعل مقتضيات المصالح العمومية واحتياجات البلد لمزيد من الرفاه والسكينة إلى ضرورة حتمية تستمد ديمومتها والزاميتها من فهمنا العميق لدقة الظرف وتميز الخيار محل اجماع الصفوة.
إن الانتصار في حروب السلم بما يعنيه من تحقيق(عدل،مساواة،حرية،ديمقراطية،نماء،تنمية..) لا يختلف كثيرا عن كسب تلك الحروب ذات الطابع القتالي_ كالحرب على الارهاب وتأمين الحدود والتحكم في تسيير مصادر القوة.