﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ ] البقرة: 8 - 20 [
تتمايز جميع الشعوب باختلاف الطباع التي تنحت شخصياتها الخاصة لتعرف بها و تنعت. و إذا كان بعض الشعوب قد تميز بالشجاعة حتى بات يوصف بها من طرف أعدائه قبل أصدقائه و حلفائه كشعوب فلسطين و تركيا و روسيا، فإن شعوبا أخرى اشتهرت بالحكمة كالصينيين، و بالعاطفة كالهنود، و الجد و الإصرار كاليابانيين، فيما عرف بعض آخر بصفات كثيرة دميمة كالخيانة و المكر و العداء و الغدر.
و بعيدا عن هذه الصفات و غيرها فإن للنفاق في هذه البلاد أربعة جلود لا يخرقها الحياء و لا يمزقها العار.. جلود قاسية و ثابتة كالطود الذي يحتضن بركانا لا يهدأ عن الفوران و قذف حمم المؤامرات و التحريف و الطعن في خائر الهمم و مستهجن التدين و رميم القيم لتصبح فيها:
· السياسة مستنقعا آسنا يتحرك بوقود النفاق الذي ينشد أهله فتات الأقوياء من موائد النهب و سوء التسيير و ترحيل موارد البلد بأبخس الأثمان.
· و الأدب أو الذي يدعى كذلك (الشعر و لغن)، مهراس الأخلاق و القيم، و مذيب الشهامة و النخوة و الإباء، و مكسر البيان و مزيل سحره، و الشعراء الغاوون حملة ارتكاس الكلمة و سبب ضياع الأمة بين فكي الظالمين و المفسدين الذين يطعمونهم مدحا كاذبا و تحريضا فاضحا على الاستبداد مقابل خزي العطايا.
· و القبلية السلبية الظلامية بزعاماتها الخائنة للمعتقد و الضاربة عرض الحائط بالقيم و الأخلاق هي أحد أكثر أوكار النفاق سخونة و أقذرها في تبنيه نهجا معبدا سالكا إلى مآرب لا تحيد قيد أنملة عن عناوين الغبن و الظلم و الاستهتار بالإنسان.
· العمائم التي تنتحل الدين رداء يتخذه أصحابها لسانا و لكنهم لا يقوون به، عمدا في الغالب، على:
o قول الحق،
o و رد الظلم،
o و نبذ الاختلالات المجتمعية،
o و شجب هدر المال العام،
o و تصحيح معتقد الشعب الذي يشوبه ضعف الرسوخ، و العمل على إبعاده عن مسارات الخرافة و الظلامية و نهج "السيبة" الجاثمة بقوة "قانون الغاب" على العقلية العامة الغالبة.
نعم إنه النفاق يلف هذه الأرض ـ التي يدعي أهلها قيم الفروسية و عمق التدين ـ بلحافه الأسود و يحجب عن أهلها نور الحق، و إنها ها هنا جلود النفاق التي كلما نضجت تحت شمسها الحارقة استبدلها الواقع المرير، تحت وطأة "السيبة" العاتية، جلودا غيرها لتستمر "سيزيفية" المسار المدمر للكيان الهش و ليستمر شقاء النفوس المعذبة بفعل استكانتها و تشبثها بهذه الصفة التي ارتهنت لها حتى باتت ميزتها و قد قبلت بأن لا تستنكر أن يكون الحديث كذبا و الوعد خلفا و الائتمان خيانة كما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أو كما زاد حديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين و إذا خاصم فجر و إذا عاهد غدر.