ما يحدث في الأردن والسودان ومعظم الدول العربية التي انتفض شعبها ضد الحقرة والتهميش واللاعدل ، الطبقية واستغلال صاحب المال والأرض للضعيف الذي لا حول ولا قوة له ، ليس باللاعادي والغريب ، فهو حاصل تحصيل ومتوقع منذ زمن طويل . السودان بلد زراعي ذو ثروة حيوانية هائلة، شعبه يجوع ولا يجد الخبز لسد رمقه، وفوق هذا يخرج الرئيس البشير ويقول: “هناك أيادي خارجية وأعداء من الداخل، يريدون الهلاك للسودان وشعبها. ” أيادي خارجية ولعبة قذرة تحاك ضد هذا البلد لادخاله الى دوامة الصراعات مرة أخرى ، لكن للأسف هته الأيدي لا تعمل لوحدها بل بمساعدة قادتنا ورؤوساء الحكم عندنا ، فالرئيس البشير في يوم من الأيام تنازل عن نصف السودان وقسمه الى شمالي وجنوبي ، فرق السودانيين وجعلهم بهويتين مقابل حصوله على عفو جزئي من المحكمة الدولية وبعض المساعدات ورفع العقوبات ووو، ربما وقتها الرئيس البشير الذي رغم كل شيئ الا أن له مواقف تبقى راسخة في ذاكرة شعبه ، لم يظن أن القط ممكن أن يتحول الى أسد ويستأسد عليه وعلى بلده ، فالقوي لا يحتمي بالخارج بل بأهله وأبناء جلدته.
الأردن بلد التاريخ والحضارات ، فقير نوعا ما مقارنة بغيره من البلدان الأوروبية، يقع على خط النار وأقصد بهذا الحدود مع الدول العدوة والصديقة التي طمع ومازال يطمع فيها الغرب ويتمنى زوالها واسترجاعها من خلال انتدابات واحتلالات ، وصفقات كتلك المسماة “صفقة القرن” تحت رعاية أمريكية واسرائيلية، وبمباركة عربية خليجية بحتة ، دولة تتوسط الشرق الأوسط بوقوعها في الجزء الشمالي من بلاد الشام ، لها حدود مع سورية التي تتعافى الان ومتوقع عودتها الى الجامعة العربية ، الاتحاد والمؤسسة الذي لم يفعل لحد الان شيئا ايجابيا يبشر بالخير ويدفعنا للتفاؤل بمستقبلها ومشاريعها ، قلت تحدها سورية المتعافية من مرض الحرب وأثارها ، سورية البلد البطل الذي يعاني ما يعانية بسبب رفضه التطبيع والمشاركة في حروب قذرة تحت لواء الغرب.
تحدها غربا فلسطين أرض المقدس وهنا تكمن المشكلة ، فما يعانيه الأردنيون الان ليس سببه ضغط اقتصادي فقط ، بل حتى رفض أو عدم اعطاء الملك لكلمته الأخيرة فيما يخص جارته فلسطين وقبوله بصفقة القرن ، فالضغط دون شك سيزيد مع اقتراب موعد الاتفاق وتنفيذ هذه المجزرة في حق الفلسطنيين والعرب جميعا ، وهنا وجد الملك نفسه بين البينين ، شعبه ،وطنه والتزاماته اتجاهه وعروبيته ، فكان الله في عونك جلالة الملك فالأمر صعب والاختيار أصعب .
مصر أرض الفراعنة ، هذا البلد الذي عانى هو الاخر قبل وبعد الثورة، شارك في عدة تحالفات بقيادة السعودية واخرها الحرب على اليمن، مصر الأهرام خرجت من ربيع عربي أهلك الزرع والحرث ، دمر البنية الاقتصادية للبلد وجعلها تابعة مائة بالمائة لصندوق النقد الدولي المعروف عنه ظاهريا مساعدة الدول المحتاجة الى نهوض وتطور اقتصادي ، المساعدات ليس ببلاش بل منطق واحدة بواحدة يفرض نفسه ويجعل دول العالم الثالث الافريقية والعربية تخضع للمساوة وتقبل بها ، والا سيكون الانقلاب والمظاهرات هي العقاب الكبير لرؤساء وملوك دول العالم الثالث، بنك عالمي يسيطر عليه اليهود وال روتشيلد متحكم في رقاب ملايين من البشر على وجه هذه البسيطة.
تونس الخضراء بلد بورقيبة والزين والسبسي كذلك في خطر، وأي انزلاق لهذا البلد نحو الهاوية سيؤثر لا محالة على جيرانه الناعمين بنعمة الاستقرار والسلم لحد كتابة هذه الأسطر وأقصد دول افريقية وعربية على غرار المغرب والجزائر، فاستقرار الجيران مهم جدا في مثل هكذا فترات حرجة، فالرئيس الراحل بومدين رحمه الله كان دائما يصر ويعمل على تثبيت الوحدة المغاربية، لأنه يعرف أن ما يضر جارك غدا سيعود عليك بالسلب، فما يحدث في تونس الشقيقة شيء لا يبشر بالخير وعلى كل المستويات، فالسياسة والاقتصاد منهاران، التعليم متعب ومنهك وتسيطر عليه الاضطرابات والتسرب المدرسي ، ضعف النتائج وغيرها من المشاكل المؤرقة والموجودة عند اخوانها وأخواتها العرب.
أوروبا العجوز لم يسلم أبناؤها من المرض، وهاهم يتظاهرون بسترات صفراء وحمراء، عاريين للتعبير عن رفضهم للذل والمعيشة الصعبة، شعوب تعودت أن تعيش من خيراتنا وثرواتنا، ولما جف النبع استيقظت من سباتها، وخرجت للشوارع تسرق وتكسر وتنهب، وهي المتحضرة، صاحبة الذوق والبريستيج، المتقدمة والناجحة في كل الميادين، من فرنسا كانت البداية ثم تلتها بلجيكا والمجر وحتى بريطانيا التي تحضر للخروج من الاتحاد الأوروبي، كل شوارع فافا احترقت وكلنا شاهدنا الصورة الحقيقية للفرنسي، فعند الجوع والهلاك كل الشعارات والصور المزيفة تسقط وتظهر الحقيقة ، ففرنسا كدولة أوروبية اقتصادها مقارنة بأخواتها ليس في خطر، لكن اعتماد الشاب ماكرون على الأثرياء ورمي المنشفة في وجه البسطاء غير المعادلة وقلب الموازين، فالفرنسيون خرجوا وقالوا لا للضرائب والغلاء ، طالبوا رئيسهم بالعدل وفرض ثروة على الأغنياء والا الرحيل وترك المكان لمن هو أقدر، مطالب لم تلق الرد السريع في بدايتها، اعتبرت مجرد مزحة، لكن سرعان ما تدارك ماكرون الأمر وخطب خطبته القصيرة، تناول فيها الأهم والمهم ووعد، لكن هل سيفي بوعده وتتوقف السترات الصفراء عن التظاهر، هل مطالبها تتوقف هنا أم تتعداها الى السياسة كما حدث سنة 1968 بين اليمين واليسار، هذا ما سنعرفه في الأيام القادمة.
فالشغب في فرنسا معروف منذ القدم ، فسنة 1789، 1968 في فرنسا كانتا من بين الفترات الشاهدة على العنف ورفض الذل واللاعدل، وبفضل هذه الثورات وغيرها استطاعت فرنسا التغيير وفرض قوانين ايجابية لصالح مواطنيها ،فما يحدث في العالم ليس سببه الرئيس أو المعارض الفلاني ، بل نظام احتل العالم بعد الحرب العالمية الثانية ، جال وصال وعمل عملته وتسبب في بروز طبقة على حساب أخرى، تحكمت في كل شيء حتى في الساسة وقراراتهم المصيرية، فالناس في كل العالم العربي والغربي خرجت لتقول لا للرأسمالية ونعم للاشتراكية والملكية الجماعية لوسائل الانتاج، فشكرا للأزمات التي فضحت المستور وبينت عيوب هذا النظام الاقتصادي الجائر، وفي انتظار ما ستبدي الأيام أترككم في رعاية الله وحفظه .