إن كان لهذه الأيام التي نعيشها عنوان رئيسي فهو "اندثار التسامح وانحسار قيُم الحوار وقبول الآخر وسيادة العنف اللفظي". ولا أدل على ذلك من الخطاب المتطرف والمتشدد والأوصاف غير اللائقة التي أطلقها الساسة على بعضهم البعض ، وما تعج به الساحة من تجريح بالأشخاص وتشهير وذم وشتم ونيل من أعراض الغير.
لا أتحدث هنا عن سلامة القصد والنية أو عدمها، ولا أتحدث عن موضوع الشجب ودوافع التنديد والاحتجاج والدعوة إلى التمسك بالنهج أو الدعوة إلى التغيير، ولكني أتحدث عن أسلوب التعبير ونبرة الخطاب... أسلوب إطلاقي وعنيف هو نتاج ثقافة أحادية تؤدي حتما إلى تدني مستوى التعاطي مع الشأن العام وانتكاس أدب الخلاف؛ حيث يصبح أي خلاف مهما صغُر حجمه مبررا لاستخدام مختلف أسلحة الاغتيال المعنوي والتراشق بالألفاظ التي تتجاوز حدود الأدب وتؤذي الشعور العام.
إن ما يجري حاليا بين الأطراف المتنافسة هو أبعد ما يكون عن العمل الديمقراطي النظيف والتواق بطبيعته إلى الحوار والتسامح والتراضي. ما يجري حاليا أقرب ما يكون إلى حرب نفسية تستعمل فيها الكلمات والتصريحات في محاولة كل طرف لتحطيم معنويات الطرف الآخر وتمزيقه وتشويه صورته وحمله على "الاستسلام" وترك الساحة. وكأن هناك من ينفخ في النار لتشتعل حروب كلامية وحملات دعائية "نارية" غير محسوبة وغير محمودة العواقب.
وهنا مَكمَن الخطر!!!
علينا أن ندرك أن الحرب بالكلمات تتقدم دائما بين طرفي النزاع على الحرب باللكمات؛ فإن نجح الهجوم بالكلمات في إثناء الخصم عن هدفه تنتفي الحاجة إلى الهجوم باللكمات.
أما وإن لم يؤد الغرض يقع الأسوأ لتكون حروب الكلمات مقدمة لحروب اللكمات والطلقات. وهذا أمر طبيعي وكثيرا ما جرى في القارة الأفريقية والعالم العربي. فالكلمات هي القذائف الأولى أو الشرارة التي تخرج منها كل الشرور.
فالحروب والفتن تبدأ في عقول البشر ثم تنزلق إلى ألسنتهم وبعد ذلك تتولاّها أيديهم. ومثلما لايكبّ الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، فإنه لايكب الدول في مطاحن الحروب والفتن غير حصائد ألسنة أهلها.
"الشعب يريد تهذيب اللسان"!
حفظ الله موريتانيا وشعبها العظيم!