دعتني جهات عديدة رسمية وشبه رسمية وإعلامية لعدة تظاهرات نظمتها في قاعات أرقى فنادق العاصمة وأبعدها عن الأحياء الشعبية حول نبذ خطاب الكراهية. أمران استرعيا انتباهي بشدة. أولهما نوعية المحاضرين الذين تكرر حضورهم في جل التظاهرات وكأن لا علم بالموضوع لغيرهم، يصولون فيه ويجولون على معزوفة موحدة المفاتيح وإن تنوعت المقامات لتوسيع الطيف الرسالاتي.
وعجيب هو ذاك السباق المحموم بين هذه المؤسسات الرسمية والشبه رسمية والإعلامية على تنظيم هذه الندوات الصاخبة في الفنادق الراقية يُدعى لها جمهور ومحاضرين منتقين؛ ندوات كرنفاليه تتناول باللغة الأكاديمية موضوع خطاب الكراهية على وسائل التواصل، وقراءة في الجهات التي تمرره والأهداف من ورائه وما تعد وتمارس ومن الخطط.
وهي الندوات التي تخطئ مع ذلك الهدف من حيث:
-الحضور المدعو لتمرير الرسالة،
-ولغة التبليغ المستهدف،
-والطيف المستهدف.
ولأنه، بمعرفة السبب يبطل العجب كما يقال، فإن هذه الكرنفالات الراقية، التي تنظم وتعقد حول موضوع ساحته الحقيقية المستبعدة عمليا تعاني الحرمان والتباين وكل أسباب التطرف والغلو، كرنفالات تهدف مع ذلك وبإرادة منظميها إلى تحقيق
هدفين لا ثالث لهما:
-الأول لا يخرج، في بلاد التناقضات الكبرى، عن غريزة التدافع أمام أبواب التزلف والطمع بلا تأن، أو روية، أو تحضير يليق لألا يفوتوا على أنفسهم الأمر الذي يقرؤونه فرصة عابرة لا بد من اقتناصها.
-والثاني لتحصيل مادي من التظاهرة التي تمول من أطراف توجه إليها الرسائل للرعاية، جهات لا تتأخر عي الأخرى لذات الهدفين.
وفي كلتا الحالتين تصل الرسالة المراد توصيلها مشوهة، مهزوزة وضعيفة بثوب أكاديمي متقعر ومستعلي:
-لا تفهمه العامة المستهدفة، التي تعاني من الفقر والحرمان والتهميش وهي العوامل التي تعرضها للاستماع إلى أصوات دعاة الكراهية أو الانحراف،
-وتعافه الخاصة المترفة التي تخاف نقصا في مصالحها ولا مساسا بمكانتها. كما يحرم المستهدفون الحقيقيون أفقيا وعموديا من حمولة الرسالة ومن استراتيجيات الوقاية والحفاظ على الصف موحدا واللحمة قوية، على أن يؤخذ بالاعتبار ضرورة توفير مظلة العدالة والمساواة.
وإنه لا أخطر على خطاب الوحدة واللحمة المطلوب في وجه تنامي خطاب الكراهية الذي بدأت تنفثه كالسم البطيء وسائل شبكة التواصل الاجتماعي عبر منصاتها ومنابرها، وتغذيه جهات متعددة تختلف في الأهداف والمآرب وإن اتفق على خطرها كلها، ذلك الخطر الكبير الذي قد يحدث ما لا تحمد عقباه إن لم يواجه بالخطاب الشامل على خلفية ترسيخ مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات مع مراعاة الفوارق التي ورثتها حالة اجتماعية تميزت بالتقسيمات التراتبية المجحفة.