إن البلاد عروس الصحراء مقبلة على جولة جديدة يتبارى فيها متنافسون جدد يخطبون ودها في الظاهر كأنها المخيرة و هي المغلوبة على أمرها تطوقها أيدي المفسدين منذ كانت فتية، أخذوها عنوة من الأب المؤسس لتصحيح المسار زعما منهم فتاهوا بها في مدارك الضياع وهم الذين أناطت بهم مهنتهم الذود عنها أمام العدى إلا أنهم إنشغلوا عن ذلك بملئ جيوبهم من خيرها العميم.
وكلما غاست البلاد في وحل الأزمات السياسية و الاقتصادية، إنتهز الفرصة ضابط مشلول الذهن لا يفقه من السياسة شيئا ناهيك عن الإقتصاد، لا يرى سوى بريق الأوقية ولا يسمع غير رغاء الإبل في المعاطن و هدير سيارات الدفع الرباعي في كثبان الصحراء، فيسطو على السلطة بحجة تصحيح المسار وهو المبرر الذي ظل مسوغا لكل إنقلاب، حتى أتى على الناس حين من الدهر تناسو فيه سير الإنقلابات وهبت على المنطقة رياح الديمقراطية مع سقوط المعسكر الشيوعي، وكان حظ البلاد منها رياح جافة جرفت أخلاق الناس وشاع النفاق والتزلف للحاكم و النهب الممنهج للمال العام، حتى إذا ضاقت حلقات الفساد حول عنق النظام و إستفحلت الأزمات عادت البلاد إلى الإكتواء بنار الإنقلابات ناشدة فيه حلا لأزماتها المستفحلة، وخلال تسعة عشر شهرا هي مدة الفترة الإنتقالية التي أعقبت إنقلاب الثالث من أغسطس 2005، بدأت البلاد تتلمس سبل حل أزماتها السياسية و الإجتماعية والإقتصادية فبدأ المجتمع المدني ينشط و شهدت البلاد حراكا غير مسبوق نحو الإصلاح، إلا أن العسكر لم يرق لهم ذلك،فأجلبوا بخيلهم ورجلهم ووأدوا الحلم في مهده وجاؤوا برجلهم إلى سدة الحكم عبر صناديق الإقتراع ولم يلبث هناك طويلا حتى بدأت نفسه تسول له الخروج من تحت عباءتهم و الشرود من سطوتهم فأنقلبوا عليه وحيدوه عن الواجهة على حين غفلة منه رغم المقدات الواضحة التي سبقت الإنقلاب.
إعتلى مهندس الإنقلابين الأخيرين كرسي الحكم ودخلت معه البلاد موجة اضطرابات سياسية و احتجاجات كادت تسقطه من سدة الحكم وكانت البلاد ستشهد ربيعا عربيا قبل أوانه أول حاكم عربي تطيح به ثورة شعبية لولا غباء النخبة السياسية المعارضة وقبولها الجلوس على طاولة المفاوضات مع الجنرال ونظامه، فشرعوا له البقاء في الحكم عبر مهزلة إنتخابية، وبدأت العشرية السوداء أتى فيها الجنرال على الأخضر واليابس فباع كل شيئ حتى المدارس لم تسلم من سمسرته، ومع نهايتها يبدو أن الجنرال إرعوى بعد أن إرتوى وسيترك السلطة سلما إحتراما في الظاهر للدستور رغم إغراءات المطبلين و مسيرات التأييد ودعوات التمديد ، مع أن في الأمر حيلة إلا أنه قد تأتي رياح الإقراع بما لا تشتهيه سفن الجنرال ، أوقد يأتي شريكه في الخطة بحيلة تبقيه في السلطة وتقطع الطريق على عودة الجنرال إليها، كل ذلك ممكن في ظل المتغيرات السياسية في البلاد و تذبذب القناعات السياسية فالذين يسمون أنفسهم بالأغلبية لا يرقبون في أنفسهم إلا ولا ذمة بالأمس كانوا يلحون طلبا لتعديل مواد الدستور، واليوم بعد أن بدى لهم من الجنرال عكس ما كانوا ينظنون تنازلوا عن طلبهم وأصبحوا سدنة للدستور، ومن الأكيد أنهم سيلتفون حول الرئيس القادم و ينسوه أي اتفاق مع سلفه.
إذا ستخوض البلاد جولة جديدة من الانتخابات لا يعد الرئيس مرشحا فيها مع أن في المترشحين الرفيق الذي يراد منه أن يكون جسرا لعودة الجنرال للسلطة بصفة شرعية، وقد شاع أن منهم المغاضب الذي فارق سربه ونأى بنفسه عن النظام، يقال أنه أجمع على ترشيحه الكهلة الذين قنطوا من نيل السلطة ، أبت عنهم أحيانا و منعت منهم بعد أن كانوا قاب قوسين أو أدنى من نيلها أحيايين أخر.
إن البلاد تتمنى أن يجيء من يملك الإرادة الصادقة و القدرة العالية على إصلاح ما دمره تعاقب فصول الإستبداد و الفساد ، وينزع عنها دثار الفقر و النسيان ، فهل في المترشحين من يملك في نفسه مواصفات الفارس البطل فارس أحلام هذا الشعب المسكين ؟ إن الناظر لحال البلد يداخله القنوط من صلاح حاله بسبب مستنقع التخلف الذي يسبح فيه منذ عقود إلا أن بالبلاد من الطاقات البشرية و الموارد ما يسمح بتغيير جذري لأحوال البلد وبوتيرة سريعة، شرط وصول شخص صادق الإرادة قوي الشكيمة يرعى ذمة الله في البلاد و العباد، و لا خوف من طبقة المفسدين التي تتحلق حول هرم السلطة فستختفي إن وصل شخص بالمواصفات التي أشرت إليها آنفا، فقديما قيل السلطان كالسوق يجلب إليه ما يروج فيه و الرعية على دين الملك .