يقال دائما لا تأخذوا بمسلمات السياسية ففي دهاليزها عمقا مختلفا , ووفقا لدراسة إسرائيلية تحمل عنوان (عدم أهمية اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بـ”سيادة” الاحتلال الإسرائيلي على هضبة الجولان السورية)، إلى جانب عدم شرعيته وقانونيته.
الدراسة صدرت عن “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، لتؤكد ان الحكومة الإسرائيلية المقبلة لن يمنعها اي سبب من إجراء مفاوضات مع سورية حول هضبة الجولان، كما أن إدارة أميركية أخرى قد تغيرهذا القرار اذا تم الرهان على الديمقراطيين . وأنه من غير المعقول أن تقود هذه الخطوة إلى التصعيد مقابل سورية أكثر من التوتر القائم، كما أنه ليس لها تبعات أمنية خاصة .
بل هي تضيف مصاعب لقدرة الإدارة الأميركية على دفع صفقة القرن والتعاون مع دول المنطقة.فقد أصبحت صورة الإدارة الأميركية كمن تقف إلى جانب إسرائيل من دون شرط، ويمكن أن تكون لسياستها تبعات داخلية حيال المفهوم داخل إسرائيل بالنسبة للقدرة على ضم مناطق أخرى في الضفة الغربية.
سابقا في كانون الأول/ديسمبر عام 1981، لم تعترف أي دولة بقرار “ضم الجولان”، الذي إتخذته حكومة مناحيم بيغن، وحافظت المنظومة الدولية بحرص شديد على المبدأ الذي استهل قرار مجلس الأمن الدولي 242، بأنه لا موافقة على إقتناء منطقة بواسطة الحرب . كذلك إتخذ مجلس الأمن القرار 497، الذي أكد أنه لا توجد لقرار “الضم” أهمية من الناحية الدولية.
وجهة النظر الاسرائيلية تجد أن خطوة ترامب ونتنياهو نابعة من احتياجات سياسية داخلية. كلاهما بحاجة إلى هذه الخطوة من أجل إرضاء قواعدهما السياسية. نتنياهو موجود في أوج حملة إنتخابية، وهدفه منع ذهاب ناخبين إلى خصمه الأساسي، حزب كاحول لافان، ومنافسيه في معسكر اليمين. وترامب موجود، عمليا، في حملة إنتخابية منذ إنتخابه، وبدأ نشاطا مكثفا من أجل ضمان إنتخابه لولاية ثانية في العام 2020.
و هذه ليست الحالة الأولى لتدخل إدارة أميركية في الانتخابات في إسرائيل، في محاولة لمساعدة المرشح المفضل على الرئيس الأميركي, ويبدو ان نتنياهو سيحذوا مع بوتين نفس الصفقة التي دبرها ترمب معهم.
من الجائز أن حافزية سورية لمحاولة ألمس بإسرائيل، التي أصبحت موجودة بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي السورية في السنوات الأخيرة، ستزداد وستؤيد بشكل أكبر جهود حزب الله وميليشيات شيعية أخرى لبناء قواعد لتنفيذ عمليات في هضبة الجولان، يتم تنفيذها لدى الحاجة.
الدراسة الإسرائيلية ترى ان إيران والميليشيات الموالية لها تخوض مواجهة عسكرية محدودة مع إسرائيل في الأراضي السورية، ولا يبدو أنه سيكون لخطوة ترامب تأثير على ميزان حافزياتها وإعتباراتها إزاء العمل ضد إسرائيل. وهكذا هو الحال بالنسبة للحلبة الفلسطينية أيضا.
البعد الديموغرافي لسكان اسرائيل اشكالية تطرح نفسها في هذا الوقت , فيبدو ان هنالك تخوفا من هذه الجزئية إذ نشر مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي ، معطيات حول عدد السكان بين النهر والبحر وتوقعات حول الوضع الديمغرافي بعد ثلاثين عاما وكذلك حتى العام 2065. ووفقا لمكتب الإحصاء، بلغ عدد سكان إسرائيل، في بداية العام الحالي ، 8.8 مليون، بينهم 6.6 مليون يهودي (يشمل المستوطنون في الضفة الغربية) و400 ألف غير معرفين دينيا وهاجروا إلى إسرائيل بموجب “قانون العودة” وغالبيتهم من دول الاتحاد السوفييتي السابق. وبلغ عدد العرب 1.8 مليون نسمة، بينهم الفلسطينيون في القدس الشرقية المحتلة والسوريون في هضبة الجولان المحتلة.
المعطيات نفسها اكدت ان نمو سكان اسرائيل في تراجع و إذا أضفنا كل منطقة الضفة الغربية وكل سكانها إلى دولة إسرائيل، فإن الأغلبية اليهودية ستتقلص إلى 60%، ما يجعل مصطلح دولة يهودية وديمقراطية فاقدا لمعناه عمليا؛ وإذا أضفنا سكان غزة، فإن الأغلبية اليهودية ستتقلص إلى 50% وسيصل مشروع الدولة اليهودية إلى نهايته.هذا من جهة .
ومن جهة أخرى فيما يتعلق بالتبعات السياسية، يبدو ان المجتمع الدولي برمته سيستمر بالتعامل مع الخطوة الأميركية مثلما تعامل مع القرار الأميركي بشأن نقل السفارة إلى القدس. وسيواصل عدم الاعتراف بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان. ويمكن أن تتم ترجمة معارضة القرار الأميركي بخطوات فعلية، مثل أن يحاول العالم العربي وتركيا تمرير قرارات في هيئات الأمم المتحدة، تعبرعن معارضة لهذه الخطوة.وربما زيارة اردوغان المتوقعة الى الاردن تحمل ملفات عدة أهمها المقدسات والوصاية وسيادة الجولان .وإعادة إقرار القرار 497 لكن قد تقابل مبادرات كهذه بـ”فيتو” أميركي في مجلس الأمن، رغم أنه يتوقع أن يتم قبول تصريح بهذه الروح في الجمعية العامة. عدا ذلك، لا يتوقع خطوات فعلية ملموسة في الحلبة الدولية.
القرار الأميركي حول الجولان المحتل، سيضع صعوبات أكثر أمام التعاون العلني للحكام العرب مع إسرائيل، سواء هؤلاء الموقعون على اتفاقيات سلام أو الدول التي تقيم علاقات غير رسمية مخفية ، مثل دول الخليج . والإعتبار أن المعارضة والعداء من جانب قسم كبير من الدول العربية لنظام الأسد سيترجم إلى موافقة على الخطوة الأميركية، لا يأخذ بالحسبان الفصل الذي تمارسه هذه الدول بين النظام والدولة السورية السيادية.
فهل فعلا اعتراف ترامب بالسيادة الاسرائليية فاقد لمعناه على ارض الواقع وهل اسرائيل تواجه داخليا صعوبات جمة ستترجم بعد الانتخابات الاسرائيلية ..وهل العرب يدركون ورقة الضغط هذه ؟؟؟