أطلعني أحد الأصدقاء على مقال للدكتور إسلكو ولد أحمد إزيدبيه حول الانتخابات الرئاسية المقبلة تحت عنوان: "لكي لا يقول البعض غدا: "ليتني كنت أدري". أثار المقال دهشتي ودفعني لكتابة هذا رد موجه أصلا لهذا الصديق تلبية لطلبه. وأؤكد في البداية، ودفعا لأي شبهة، أني أتقاسم مع صديقي هذا دعم المرشح سيدي محمد ولد بوبكر. لكني آثرت في النهاية أن يتجاوز هذا الرد حدود الرسالة الخاصة إلى مقال موجه لجمهور وسائل الإعلام.
لقد جاء المقال في قالب ذكي من حيث الذهن المتوقد لكاتبه الميال للفت انتباه لولي نعمته ومن سيخلفه، وهو يود أن يجد نفسه مجددا ضمن الدائرة الضيقة لهذا الخليفة.
لكن توقد ذهن هذا الرياضي لا يشكل مفاجأة لنا، فالمسألة تتعلق بما وراء القالب البلاغي الذي يكتسيه النص. وهكذا فإنه يستهل المقال بقوله "إن حق الصحافة والنشطاء السياسيين والمواطن العادي، بل من واجبهم الوطني والأخلاقي والمدني، تسليط الضوء على مسار كل مرشح على حدة للتعريف بماضيه ومؤهلاته تخمينا لمدى قدرته على الاضطلاع بمسؤولية بهذه الجسامة". ويضيف: "إن الطريقة الوحيدة للحكم على القيمة الجوهرية لأي مرشح رئاسي هي أن نمحص بدقة وموضوعية ماضيه السياسي، لأن الأمر سياسي بالمقام الأول، بالإضافة إلى الماضي المعروف والتوجهات المعلنة لأولئك الذين "يحيطون" به".
وصفة أخلاقية
بناء على العبارات أعلاه من مقال سعادة السفير فقد انتظرت منه أن يقدم توصيفا مقارنا للمترشحين الخمسة الذين اختارهم بنفس الأسلوب دون تفرقة، لكن انتظاري كان دون جدوى ولم أجد شيئا رغم ما لدى الرجل من مؤهلات أكاديمية.
وفي الواقع، كان عليه بدلاً من إجهاد نفسه في التخمين ومحاكمة النيات التي صبغ بها المرشحين المختلفين، أن يقارن بين المرشحين من خلال مؤهلاتهم ومساراتهم وما إذا كانت لديهم شرعية الطموح للتقدم لهذه المسؤولية. وهو ما كان سيكون أكثر أهمية وأكثر إقناعا. وفي ما يتعلق ببقية المقال فقد انحصر عند مستوى الهجوم على الإخوان المسلمين خصوصا في ما يتعلق بالمرشح سيدي محمد ولد بوبكر.
ومع ذلك فلو تفادى الاستناد في حججه إلى التحيزات والشائعات الخبيثة التي تهاجم هذا الأخير واستند بدلا من ذلك على المعرفة الدقيقة للتسلسلات التاريخية المختلفة التي تحكم تطور الأشياء، كان بإمكاننا أن نتغاضى عن عدم تطرقه إلى المصالح التي تشغل مواطنينا اليوم والتي تعتبر ضرورية في حياتهم اليومية وكذلك لمستقبل البلاد. فهذه الانتخابات هي التي ستعكس ما سيكون عليه الوضع الاجتماعي-الاقتصادي للبلد في عام 2025 وما سيكون عليه في عام 2030. فمصير البلد، مثل مصير أي بلد آخر يخضع لقوانين هي أساس التوقع والتفكير الاستشرافي وهي بالتالي تمكننا من أدوات لاستباق الأحداث وبالتالي توجيهها.
لقد مرّت أربعون عامًا من تعاقب الضباط على السلطة واحدًا تلو الآخر دون أن يتمكن أي منهم من توجيه مصير البلد بشكل معتبر نحو الأفضل. من المؤكد أن لديهم القدرة على القيادة ولكن ليس لديهم قابلية سياسية أو ثقافة اقتصادية للحكم: خصوصية تدريبهم وصرامة عقليتهم يصعب إعادة تشكيلها أثناء حياتهم المهنية أو تكييفها مع هذه المهمة. والنقاش اليوم ينبغي أن يتركز حول هذا التجدد الأبدي والتكرار الدائم لكي نصل إلى وضع ينتهي فيه هذا المسار السيزيفي.
حصيلة كارثية
لم يرغب الدكتور إسلكو في التعمق في القضايا الأساسية الراهنة ناهيك عن السجل الكارثي لنظام سيده في جميع المجالات وكذلك في تسيير المال العام وتوظيف الموارد الهائلة التي تم حشدها منذ عام 2010 بما في ذلك الدين الخارجي البالغ 7 مليارات دولار أو أكثر من 100 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لبعض المصادر مقابل 2 مليار دولار مع مجيء هذا النظام في نهاية عام 2008.
بدلاً من ذلك اختار التركيز على أمور سطحية بعيدا عن القضايا الحقيقية وعلى هامش مقارنة المهارات والخبرات والقيمة الجوهرية وقدرات المرشحين المحتملين على مواجهة هذه القضايا لأنه كان يعلم جيدًا أن سيدي محمد ولد بوبكر سيتميز كثيرًا عن الباقين وأن هذه المقارنة ستكون، في نهاية المطاف، على حساب معسكره والقضية التي يدافع عنها.
ونظرًا لأنه اختار طريقة التقييم السطحي هذه، فدعونا نفعل نفس الشيء ونتجنب صرامة التحليل الجاد للسياسة الاقتصادية للنظام الحالي دون أن نستسلم للصفارات الحزبية لهؤلاء الذين يقومون بالفعل بحملات انتخابية سابقة لأوانها.
يعتقد الدكتور اسلكو أن المرشح سيدي محمد ولد بوبكر يفتقر إلى الصفات والقدرة على حكم البلاد لمجرد أنه قبل دعم تواصل وهي "مجموعة غير مرغوب فيها من لدن جل شركاء موريتانيا، على حدودنا، في المشرق، وفي الغرب". ويتساءل الدكتور اسلكو قائلا: فهل فكر مرشح "الإخوان" مرة واحدة في الفاتورة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية التي قد تترتب على هذا التحالف الظرفي، تحالف هدفه "الممكن" الوحيد هو زعزعة أمن واستقرار موريتانيا؟". ثم يختتم-مؤكدا- قائلا: " فأي تصويت لصالح هذا الركب الأعرج، يزيد من احتمال تعرض بلادنا لنفس المصير المأساوي الذي اكتوت به بعض الدول العربية".
الملاحظة الأولى بشأن الاتفاق مع تواصل: كان كاتب هذا المقال رئيسًا للاتحاد من أجل الجمهورية وهو الحزب الذي أبرم أيضًا صفقة مع "المجموعة غير المرغوب فيها" نفسها من أجل تشكيل قوائم مشتركة أثناء انتخابات مجلس الشيوخ: وذلك قبل أن تصبح هذه المجموعة غير مرغوب فيها.
اختلاق الفزاعات
الملاحظة الثانية حول شعور "جميع شركاء موريتانيا تقريبًا" ضد الإخوان المسلمين كحركة سياسية عابرة للحدود الوطنية: هذا التأكيد ببساطة مثير للضحك إذا جاء من مواطن بسيط ليس لديه من مصادر المعلومات سوى الخطب الرسمية التي تتكرر في وسائل الإعلام الرسمية أو تلك التي تسيطر عليها مجموعات المصالح الخاصة؛ لكن أن يأتي من وزير خارجية سابق حديث العهد بالوزارة، فهو أمر مذهل ويدل على انعدام ثقافته في الجغرافيا السياسية. لأنه لو كان قد قرأ مذكرات السيدة هيلاري كلينتون (زمن القرارات) أو مذكرات رؤساء أجهزة المخابرات الغربية السابقة وغيرها من المنشورات التي يكتبها باحثون مقتدرون وخبراء في العالم العربي مثل الكتاب الرائع للأستاذ فريدريك بيشون بعنوان الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أو كان قد تابع المقابلة التي أجرتها بي بي سي قبل عامين مع وزير خارجية دولة قطر السابق (حمد بن جاسم آل ثاني) فسيفهم أن الإخوان المسلمين كانوا أهل الثقة والاحترام دائمًا في نظر شركاء موريتانيا بدءًا من الولايات المتحدة تليها المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا ناهيك عن قطر وتركيا اللتان تحميان الجماعة بالتواطؤ مع الدول الغربية المذكورة أعلاه يضاف إلى ذلك سلطنة عمان حيث يتم الترحيب دائمًا بهذه "المجموعة غير المرغوب فيها". في ضوء ذلك يجب أن نفهم مدى وكثافة الدور الدبلوماسي للدولة القطرية في الجغرافيا السياسية الإقليمية لاسيما عندما تعمل في الظل لإقناع طالبان بتخفيف مطالبهم، حيث تستضيف الدوحة ممثلي الحكومة الأمريكية للتفاوض مع طالبان على السلام في أفغانستان.
يمكن للمرء أن يستمع إلى دعاية الحكومة المصرية أو يستسلم للمناورات البغيضة (التي تذكيها الغيرة من الدبلوماسية الكبيرة لهذه الدولة الصغيرة) التي يقوم محمد بن سلمان وبن زيد أو لأسباب شخصية أو لمواجهة جاذبية خطاب تواصل للجماهير، لكن جهل حقيقة نظرة هذه البلدان المذكورة للإخوان المسلمين غير مقبول ببساطة لوزير خارجية سابق، كما أنه نوع من الشذوذ عندما يحاول شيطنتهم من خلال تقديمهم على أنه فزاعة أو خلق فوبيا أقل ما يقال عنها إنه لا أساس لها.
الملاحظة الثالثة حول المصير المأساوي الذي تخاطر به البلاد بالتصويت للمرشح المدعوم من "المجموعة غير المرغوب فيها": إن الخلط بين الإخوان المسلمين والجماعات الجهادية يعتبر تلبيسا وخداعا فكريًا مثيرا للشفقة، وهو ليس سوى مزيج من الجهل التاريخي وردة الفعل البافلوفية. فهذان الكيانان ليس بينهما شيء مشترك لا من حيث الأساليب أو الأهداف أو الأيديولوجية أو المرجعية.
هي إذن مجرد مناورة تهدف إلى تشويه سمعة حزب تواصل وبالتالي مرشحها المفضل في تمرين يشارك فيه حاليا بعض المثقفين والنشطاء السياسيين من أجل التلاعب بالناخبين، في حين يشير كل شيء إلى أنهم هم أنفسهم متلاعب بهم وغير مدركين للواقع أكثر من الناخبين أنفسهم.
في النهاية وفي ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية فلا يمكن لأي من المثقفين المهتمين أو المعنيين بالشأن العام أن يدعي الحياد. ولا أحد يطلب منه أن يكون متساهلاً أيضاً. لكن عليه أن ينظر إلى شعارات المعسكرات المختلفة بالطريقة نفسها دون تحيز. فالرسوم الكاريكاتورية المتعمدة وتورم الكلمات ليس لها مكان في مناقشة الأفكار التي يراد لها أن تكون مثمرة ومفيدة. وهم قادرون على تحويل هذه الأفكار إلى جدل عقيم لا يتقدم بأي حال من الأحوال.