من الواضح ان إدارة القيادة التركية لازمة اصرارها على إتمام صفقة شراء منظومات صواريخ اس “400” الروسية، والتي من غير الواضح فيما اذا كانت ستمضي كما تم التخطيط لها،في ظل التحذيرات الأمريكية والأوروبية، تختلف عن “إدارة الرئيس اردوغان” لازمات سابقة مشابهة، حيث غابت في هذه الأزمة مفردات “ساخنة” لطالما شكلت جوهر القاموس السياسي لاردوغان،على شاكلة: التحدي والصمود والمواجهة حتى النهاية، وحق تركيا بسيادتها وحريتها في الحصول على السلاح من اية مصادر مهما كانت، وحلت بدلا منها لغة تصالحيه “تبريرية” تدل مخرجاتها على ان اردوغان يتطلع لاحتواء ردود الفعل الأمريكية المتوقعة، وخاصة العقوبات الاقتصادية التي يدرك اردوغان خطورتها وتداعياتها على الاقتصاد التركي، وقد جربها عبر تغريدات للرئيس ترامب وكيف أطاحت بالليرة التركية.
الإستراتيجية التركية في التعاطي مع رد الفعل الأمريكي المتوقع على صفقة صواريخها، تقوم على الفصل بين البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي،بالتاكيد على ان الرئيس ترامب لديه صلاحيات الإحجام عن تطبيق العقوبات او تأجيلها وفقا للقوانين الأمريكية”كاتسا” لمنع الدول الحليفة من شراء الأسلحة الروسية، خاصة وان ترامب قدم تبريرا للصفقة “التركية –الروسية”خلال لقائهما ،علي هامش قمة العشرين في اليابان الشهر الماضي، بان أنقرة اضطرت لتلك الصفقة لان الإدارة الأمريكية السابقة”اوباما” رفضت بيعها صواريخ “باتريوت” الأمريكية، كما تتضمن الإستراتيجية التركية التأكيد على ان منظومة صواريخ”اس 400″ دفاعية، وهو ما يؤكد ان لا نوايا لدى تركيا لاستخدامها خارج حدودها، وان اقتنائها لا يتعارض مع الحصول على “اف 35” الأمريكية.
تبادل الرسائل المشفرة بين تركيا من جهة ،وأمريكا وأوروبا من جهة أخرى بدأت، بدءا من التلويح بعقوبات أمريكية ضد تركيا، لا يتوقع ان يشهد إقرارها خلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين ، وإلغاء صفقات أسلحة مقررة لتركيا” طائرات اف 35″ إضافة لعقوبات اقتصادية،من المؤكد أنها ستسهم في تعقيد الأزمات الداخلية التي يواجهها اردوغان”سياسيا واقتصاديا”، حتى قبل الحديث عن صفقة الصواريخ الروسية.
وخلافا للموقف الأمريكي، تبدو مواقف أوروبا أكثر صرامة تجاه اردوغان، فبالإضافة لاستثمار مظلة “الناتو” باعتبار ان ما أقدمت عليه تركيا يعد خرقا لالتزام أعضائه بعدم شراء الأسلحة الروسية،بدأت الدول الأوروبية بفتح ملف التنقيب عن حقول الغاز في المياه الإقليمية القبرصية” العضو في الناتو والاتحاد الأوروبي”،وخفض مخصصات مساعدات مقرر صرفها لتركيا في العام المقبل، وبالمقابل فان الإجراءات التي تم الإعلان عنها من قبل تركيا بخصوص اللاجئين السوريين و” التضييق” عليهم غير بعيدة عن كونها ورقة تركية تلوح بها تذكيرا للأوروبيين بإعادة استخدام اللاجئين وفتح الحدود إمامهم ل”خلق” أزمة أمام الأوربيين، ومع ذلك فان التوسع في دعم الأكراد السوريين عسكريا، وتزويدهم بأسلحة جديدة ونوعية سيكون احد خيارات الأوربيين وأمريكا لمواجهة اردوغان، بما في ذلك إفشال خططه في سوريا وادلب، وجعل دعمه لفصائل إرهابية “جبهة النصرة” قضية دولية، بالإضافة لدوره في ليبيا ودعم فصائل جهادية، ودعم المعارضة الداخلية “التي تزداد”ضد العدالة والتنمية واردوغان، وفتح ملفات حقوق الإنسان، والاعتقالات والسجون في تركيا.
الرهانات التركية في القدرة على احتواء رد الفعل الأمريكي،تبدو محدودة، رغم محاولاتها استثمار مواقف الرئيس ترامب التبريرية، والتي جاءت في إطار حسابات داخلية أمريكية،من بينها التنافس الانتخابي وتحميل الديمقراطيين مسؤولية الخطوة التركية، هذه الرهانات من غير المرجح ان يكتب لها النجاح، اذ يشكل مشروع اردوغان ب”العثمانية الجديدة” ومخرجاته بالعداء مع الغرب وأوروبا، قاسما مشتركا وتوافقا بضرورة مواجهته، بين الجمهوريين والديمقراطيين، ومعهم الدول الأوروبية الفاعلة” ألمانيا،بريطانيا وفرنسا”، خلافا للعلاقة مع إيران وقضية اتفاقها النووي وبرنامجها الصاروخي وتدخلاتها الإقليمية، او قضية مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية باسطنبول، والخلافات حول صفقات أسلحة للسعودية على خلفية حرب اليمن، اذ ان هناك مسافة بين المواقف الأمريكية والأوروبية تجاه إيران والسعودية، فيما يتناقص عدد أصدقاء تركيا في الغرب والشرق يوما بعد يوم.
سيناريوهات مالأت أزمة صفقة الصواريخ التركية- الروسية تتعدد، والمرجح ان يخرج اردوغان منها أكثر خسارة،وتتراوح ما بين إتمام الصفقة كليا او جزئيا، او إتمامها كاملة ،مع تعهدات تركية ورقابة من “الناتو” بعدم استخدامها،او ذهاب اردوغان بعيدا في التصعيد مع أمريكا وأوروبا، بإعلان انفكاك تحالفه مع أمريكا والغرب، بما يرسل رسالة بالمضي بمشروعه الى مالا نهاية” وهو السيناريو الأكثر كلفة بالنسبة له.