منذُ عام 2016 ونحن نشهد تخبُطاً في السياسة الداخلية والخارجية التركية، وبالتحديد بعد التقارب الروسي التركي وعودة العلاقات تدريجياً بين دولتين مؤثرتين في الأزمة السورية ما يدفعنا إلى طرح عدّة أسئلة
ـ أولاً: ما الأسباب التي غيرت من مُعادلة صفر مشاكل التي طرحها وزير الخارجية التركي السابق أحمد داوود أوغلو والتي لم تصمد طويلاً؟
ـ ثانياً: كيف استطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يجعل من سياسة صفر مشاكل التركية مهمة من مهماته في المنطقة في مرحلة مُعينة؟
ـ ثالثاً: ما الأسباب التي دفعت بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى حرق ملفات التحالف التركي الأمريكي والعمل على تجريد أردوغان من الميزات التي قدمها له على طبقٍ من ذهب؟
لنعود قليلاً بالأحداث إلى الوراء ونتحدث عن الانقلاب الذي جرى داخل تركيا في عام 2016 كان بقيادة المُعارض كمال أوغلو الذي حملَ شعار ” سنهدم جدران الخوف ” من وسط أهم المدن التركية والتي خرجت عن سيطرة أردوغان في الانتخابات الأخيرة إنها “اسطنبول” في احتجاج هو الثالث من نوعه منذُ أحداث منتزه ” غيزي ” الذي كشفَ عن الملامح السلطوية والقمعية الأردوغانية، فقد عملت أمريكا على دعم فئات مجتمعية مُختلفة للإطاحة بالحليف الاستراتيجي لها في المنطقة بعد أن أدركت أنها مع السعودية ودول الخليج قادرة على تنفيذ سياساتها الرامية إلى إشعال المنطقة من دون العودة إلى الحليف التركي الذي رفض جملة من الاملاءات الأمريكية في تلك المرحلة فما كان من أردوغان إلا أن صعد على متنِ طائرتهِ مُقدماً الطاعة لسيّده في واشنطن مُستخدماً هاتفه الخاص .
سياسة صفر مشاكل التي أطلقها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو تحولت إلى سياسة صنع المشاكل مع دول الجوار أدخلت تركيا في حسابات جيوسياسية خاطئة أغرقتها في سلسلة من الأزمات الداخلية والخارجية من بينها دخولها المُباشر في الأزمة السورية ودعمها اللوجستي لمئات الآلاف من المرتزقة عبروا من أراضي دولته إلى سورية والعراق مُتجاهلاً أن الحريق لن يقف عند حدود بلاده ، وإنما سيمتد ليقتلعه وسيده من عروشهم .
استطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدام ورقة الخلاف الذي ظهر بين ترامب وأردوغان والعمل على استمالة الأخير إلى صفه مُحاولاً إيجاد صيغة مشتركة تُفضي إلى إنهاء الأزمة السورية مُدركاً أن وقف إمداد المسلحين المتمركزين في الشمال السوري من الأراضي التركية ممكن في حال استجاب أردوغان لذلك فكان عهد المفاوضات والاجتماعات التي جمعت الرؤساء الإيراني والتركي والروسي في روسيا لكن لم تؤتي ثمارها بعد أن وصلت إلى مرحلة مُرضية من النضج .
حرق ملفات التحالف الأمريكي التركي بعد ظهور المارد السعودي من القمقم وتقديمه الدعم الاقتصادي والسياسي للجماعات الإرهابية في المنطقة ، دفعت بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تبني القضاء على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لكن على مراحل وكان من ضمنها التأثير على الاقتصاد التركي الذي أدى إلى هبوط الليرة التركية ودعم المعارضة في الداخل كما قام بتقديم الدعم لأشد أعداء أردوغان حزب العمال الكردستاني في العراق وبعض الميليشات الانفصالية الكردية في شمال شرق سورية واللعب على وتر إقامة مناطق آمنة أو ما يُعرف بمناطق خارجة عن سيطرة الدولة السورية هذا ما رفضته القيادة السورية جملةً وتفصيلاً .
قدمت موسكو مُقترحاً لأنقرة شراء منظومة الدفاع الجوي S400 التي كانت بمثابة التصعيد السياسي الأشد خطورة بين الأمريكي والتركي بعد أن توعدت واشنطن أنقرة بالمحاسبة في حال أقدمت على إتمام الصفقة مع موسكو وبعد أن وقع المحظور قرر دونالد ترامب تجريد حليفه من جملة ميزات قدمتها له الإدارة الأمريكية منذُ بداية الربيع العربي المزعوم في عام 2011 .
في النهاية نجزم أن من قتل نائب الدبلوماسي التركي في محافظة أربيل العراقية هي أمريكا في رسالة واضحة للنظام التركي في عمقه الاستراتيجي أننا لن نسمح للأمر أن يتم بسلام وأن دونالد ترامب لا يعتبر الحليف سوى خصم ومن ثم استبعاد تركيا نهائياً من برنامج طائرات F35 وطرد الطيارين الأتراك .