الأوطان تتكلم تحس تفرح وتحزن ولها حديث نفسي أيضا، هي مثل الشعوب التي تسكنها تماما.
تتساءل ألأوطان عن أسباب فشل المجتمعات التي تسكنها, عن الظلم فوق أرضها عن الغبن عن الجهل عن الفساد عن السعادة عن إشاعة العدل والمساواة عن العلم عن التقدم عن التأخر عن البناء وألإزدهار عن الوحدة وألأخوة والمحبة....!
مرات عدة سمعت فيها همسات الوطن فى مدينتى التى ترعرعت فيها، أيام الجامعة و فى موريتانيا الأعماق حيث كنت معلما تحت خيمة أحيانا نطويها ونرتحل مع الحي كلما أرتحل.
كنت أسمع أحاديث الوطن وهمساته ولم أفهم تماما مايحدث حولي ولم أستطع تحليل ماعبر عنه قبل ان أغادره وأغترب 15 سنة في وطن آخر.
وصلت فرنسا طالبا, حطت الطائرة التى أركبها لأول مرة في مطار شارل ديكول في شهر رمضان, دلفت إلى قاعة الركاب مع المسافرين مشدوها بنظافة المكان ونظافة العمال من حولي وكثرة الناس والتنظيم المحكم فأسررت ذلك في نفسي...!
بعد الإجراءات خرجت فوجدت بإنتظاري مجموعة من الطلاب تنتظرني، ركبنا سيارة وانطلقنا إلي مدينة ألإقامة (145 كلم من باريس), كانوا في الطريق يضحكون ويقولون لي أرأيت الفرق بين فرنسا ولخيام, لم تر شيئا بعد وبالفعل كنت مشدوها ولكنني أسررتها في نفسي.!!!
في اليوم الموالي ذهبت إلي الجامعة وقدكانت نظيفة وتعج بالطلاب من مختلف الجنسيات وألإدارة جاهزة وفي الخدمة والنقل متوفرا ومريحا
وأسررت ذلك في نفسي...!!!
أياما بعد ذلك ذهبت إلى المتجر الكبير وكان كبيرا يتيه فيه المشترى (supermarché) لأشتري الخبز وبعض ألأغراض, أخذت حاجتى وتقدمت نحو فتاة تجلس عند الصندوف حيث يدفع الثمن فنظرتني بعينين مفتوحتين وبدهشة وإستغراب ولاحظت ان الجميع ينظر إلي فإلتفت لألاحظ أن الجميع يقف في الصف وكل واحد ينتظر دوره. شعرت بالخجل وتراجعت القهقرى لأقف في الصف. شعرت بشيء من الضيق وأسررت ذلك في نفسي...!!!
زرت مستشفى المدينة فإذا بلوحة على باب المستشفى مكتوب عليها ( لا نسأل عن دينك ولا عن لونك ولا عن أصلك ولا عن مالك, أنت مريض ونحن سنحاول ان نخفف عنك). قرأت العبارات وأسررتها في نفسي....!!!
كان الأطباء فى غاية اللطف وإنسيابية ألإجراءات تشعرك بالراحة والإطمئنان لم أحتج لتدخل فلان، الممرضات فى خدمتى حتى دخلت على الطبيب الرئيسي.
كنت مشدوها ومدهوشا بكل ذلك وأسررته فى نفسي...!!!
كانت المدينة نظيفة وجميلة ومنظمة, النقل متوفر ومنظم جيدا, المؤسسات التعليمية كذلك, السوق منظم والمستشفيات, أما المواطن فيخيل إليك ان كل واحد هو المسؤول ألأول عن البلد...!!!
شاهدت ذلك وأسررته فى نفسي...!!!
تذكرت همسات وطني الغالي وكان كل ماحدثتكم عنه إجابات على همساته, وقلت في نفسي وطني أكبر من فرنسا مرتين وشعب قليل وموارده ألإقتصادية أكثر وشعب مسلم، و في وطني يرتل الذكر الحكيم آناء الليل وأطراف النهار.
فلماذا وطن فرنسا بهذه الحالة....ولماذا لايكون وطني في حالة أفضل....!!!
فالدولة الناجحة ليست حكرا والدولة الفاشلة ليست قدرا وبين هذا وذاك الإرادة والعمل.
وهنا أطرح عليكم وعلى نفسي السؤال التالي : ماذا لو أن الأوطان تختار شعوبها, فأي وطن سيختارنا...؟