على طريق الاستقلال: اجتمعت معظم الفصائل السياسية المطالبة بالاستقلال في مؤتمر ألاك نهاية سنة 1958م وأعلنت بعيد اجتماعها عن تنسيق مواقفها وتبني استراتيجية موحدة للنضال الوطني من أجل الاستقلال.
وفي 22 مارس عام 1959م تقرر تحويل الجمعية الإقليمية إلى جمعية تأسيسية قدمت أول دستور تعددي في تاريخ البلاد.
لم يكن هذا الدستور يختلف كثيرا في نصه وروحه عن دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة، وفي شهر يونيو من نفس السنة أيضا نظمت انتخابات تشريعية تمكن فيها "حزب التجمع الوطني" من السيطرة على أغلب مقاعد البرلمان وكانت الجمعية الوطنية خلال دورتها في سينلوي عام 1958م قد وافقت على تعيين المستشارين اللذين عهد إليهما بمهمة التفاوض مع السلطة الفرنسية من أجل استصدار قرار الاستقلال.
في هذه الأجواء تبلورت ونضجت نزعة الاستقلال الوطني واجتمع المجلس الوطني في مارس 1960م صوت بالإجماع على طلب الاستقلال الكامل وذهب الرئيس المختار ولد داداه إلى باريس لمفاوضة الحكومة الفرنسية.
بدأت رحلة المفاوضات في 14 اكتوبر 1960م وأفضت في 19 من نفس الشهر إلى توقيع إعلان استقلال البلاد الذي تحقق في 28 نوفمبر 1960م ولم يكن هذا التاريخ يرمز لأي حدث في تاريخ البلاد وإنما هو ذكرى إعلان ميلاد الجمهورية الإسلامية الموريتانية العضو في الاتحاد الإفريقي الفرنسي.
لم تكن الظرفية التاريخية مواتية لمثل هذا القرار، كانت البلاد في وضع لا تحسد عليه وكانت عاصمة الدولة في ذلك اليوم "انواكشوط" وهي بعد لا تزال مشروعا قيد الإنجاز.
والمعروف أنها لم تكن للبلاد عاصمة في عهد الاستعمار بل كانت أمورها تدار من سينلوي حيث كانت تصدر منها جريدة "موريتانيا" الناطقة باسم الحكومة.
ولم تشأ السلطات الاستعمارية أن تتخذ إحدى مدن البلاد عاصمة لما سيكون لذلك من آثار على مستقبل الاحتلال أما إرادة المجتمع فقد عبر عنها المختار بن داداه نفسه سنة 1957م حيث قال: إنني اعتبر نقل العاصمة إلى انواكشوط شرطا أساسيا لوحدة موريتانيا وإظهار شخصيتها".
تأكيدا لهذا التوجه حدد الدستور انواكشوط عاصمة للبلاد واتخذت مقرا للجمعية التأسيسية الموريتانية وعقد بها أول اجتماع للجنة الدستورية 1958م وفي هذه السنة زارها الرئيس "ديكول" في إطار جولة قادته إلى عواصم دول إفريقيا الغربية التي منحت استقلالا داخليا وانضوت تحت لواء الاتحاد الفرنسي.
ومن أجل استكمال إجراءات نقل العاصمة إلى انواكشوط عقدت الحكومة جلسة في المكان المقرر اختياره لإيوائها ولم يكن وقتها يوجد مبنى من شأنه أن يأوي الاجتماع مما استدعى عقده تحت خيمة وبر مفروشة ببعض الزرابي.
كان الحاكم الفرنسي حاضرا حين سلم وزير فرنسا لما وراء البحار مرسوم نقل العاصمة إلى انواكشوط للمختار ولد داداه وفي الرابع والعشرين يوليو تمت إجراءات نقلها رسميا وسط احتفالات رسمية وشعبية.
وبمناسبة وضع حجر الأساس لبناء انواكشوط تم نحر بعير واحد وتنظيم تظاهرات وأفراح شعبية، ولم يكن هذا الاسم "انواكشوط" سوى سهول رملية وبقايا منازل من المدر ومجموعة سكان لا يزيدون عن 400 نسمة تداعت إلى المنطقة منذ فترة سابقة.
أتذكر أنني في بداية الخمسينات كنت أمر بمجموعة من المنازل بجوار "المربط القديم" قرب بلدية لكصر، عندما كنت ناقلا بين "سينلوي" و"روصو" و"أطار" مرورا بانواكشوط الأول وهو يومئذ لا يتجاوز خمسا وعشرين منزلا تقريبا ولم تترك منها سيول عام 1951م إلا القليل. كان السكان عبارة عن بضع وثمانين أسرة تقريبا، هذه قائمة بأسماء بعضها كما ضبطتها الذاكرة:
عبد الودود ولد الداهي (أولاد بسباع)
محمد محمود بن بابه
أمنات التكرور (الغالية، وافيله)
محمد محمود بن بد
علي بن حيده
الويله بنت بوكرين
بيه بنت الحيمر
الحسن بن بوعمامه
خد بنت بو عمامه
عبد الجليل بن خونه
عبدات بن محمد السني (اسماسيد)
محمد السالك بن محمد السني
امريحبه بنت اظمين
هيبه بنت اظمين
الفالح بن اعبيدن
عبد الرحمن بن الأحول
عال بن الحاج المختار
السالك بن الحاج المختار
بونن بن احمدناه
محمد بن المحجوب
اكويرية بنت بركه وابنها محمد كيك
سيد أحمد بن الطايع
محمد بن الطايع
الشايعة بنت الطلبه
محمد الأمين بن ابابه
سيد أحمد بن اخيار
الطالب محمد الولاتي
كورية بنت همدي
اعلي بن محمد بوبه (إمام مسجد)
محمد رمضان (مترجم أملاز)
تسلم بنت المدير
أحمد يوره بن ادريميز
بركة بنت السراح
بيجانه بنت تنيال
امن بنت الصيد
اسويلك بنت البان
أحمد بن اسعيد
امبارك بن محمود (جزار): وكان في ذلك الوقت لا يتجاوز الذبح 5 شياه تقريبا.
محمد بن اعل تلمود
المختار بن اعثيمين
أهل المختار آشه
محمد بن خيار
إبراهيم بن النان (أولاد آكشار)
محمد العيد بن خيار
أهل أواه (إديقب)
أهل محمد مختار
محمد الأمين بن الطاهر
ماه غالية (اشكانن)
اسويلم بن امبابه (اشكانن)
اشبيلول (اشكانن)
المصطف بن سيديا (اشكانن)
الماصر بن امبابه (اشكانن)
المصطفى بن ابرجوك (اشكانن)
أحمد بن أباه بن ابت (اشكانن)
أباه بن حدي (أهل بحبين)
عبد الحي بن ابن المشيد
حيدره محمد الأمين
اسويد امبارك
امبارك الشلح (آزوافيط)
محمد جيل
محمد بن حماده
باب بن كاري (اشكانن)
المختار بن غدور (لعلب)
محمد لعليبي (لعلب)
عبد الرحمن اللمتوني
محمد الشيخ بن بيدي
ألف بيدي
أهل اركيب
أهل الطنج
كانت هذه مرحلة مخاض صعب: دولة تنشأ من لاشيء يريد شعبها أن يؤسس لها في ظرف عسير كل مقومات الحياة بما يتطلبه ذلك من مؤسسات وبنى تحتية، كان يسعى جاهدا في سبيل بناء عاصمة تمثل رمز سيادته وتعكس مستوى إرادته في أن يكون عاصمة بين الكثبان الرملية وعلى ساحل المحيط حيث تنعدم أسباب الحياة، لكن قوة الإيمان بضرورة إنشاء كيان وطني ومستى الوعي السياسي للقائمين عليه وروح التعاون والتكاتف التي كانت سائدة والقناعة المبدئية بحتمية تقرير المصير والثقة في النفس كل هذه العوامل جعلت الحياة تدب مفعمة بمشاعر الأمل في مستقبل هذا الكيان الناشئ.