قال الأستاذ محمد الأمين ولد داهي الخبير في القانون الدستوري: إن الوضعية التي تعيشها المؤسسات الدستورية في موريتانيا حاليا تتطلب من الجميع تحمل مسؤولياته والتداعي إلى إجماع وطني يؤسس لدولة قانون حقيقية، وينهي حالة الشك التي أصبحت تعيشها البلاد منذ 2011.
واعتبر ولد داهي، أحد أبرز خبراء القانون الموريتانيين الذين تولوا صياغة دستور 20 يوليو 1991؛ والتعديلات التي أجريت عليه في يونيو 2006، في مقابلة حصرية مع "السفير" أن التعديلات الدستورية التي حصلت عام 2012 اتبعت مساطر خاطئة، وأن المجلس الدستوري الذي هو المسؤول الأول عن ضمان احترام وحماية القوانين روحا ونصا قام بتأويل نصوص لا تقبل التأويل وأصدر فتوى بتمديد مأمورية الغرفتين البرلمانيتين "إلى أن تجري انتخابات جديدة"، دونما تحديد أجل لذلك، وهو ما يتعارض مع مبدأ حدية ووضوح القانون، متسائلا: ماذا لو لم تجر انتخابات إلا بعد عشر سنوات هل يستمر التمديد؟ وحول مقترحاته للخروج بالبلاد من الحالة التي تعشيها اعتبر الأستاذ محمد الأمين ولد داهي؛ أن الحل يكمن في اللجوء إلى إجماع وطني وسياسي يخفف من حالة تجاوز كل المؤسسات الدستورية لصلاحياتها. وتحدث ولد داهي عن المخارج الدستورية لحالات شغور منصب الرئيس، والإنابة في حالة الغياب المؤقت والضوابط والمحددات القانونية لكلتا الحالتين..
نص المقابلة:
السفير: في البداية لو طلبنا منكم إعطاءنا خلاصة عن دستور 20 يوليو 1991 الذي كنتم أحد كتابه، ما هي أهدافه، وما هي الظروف التي اكتنفت كتابته؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: في البداية أود أن اشكر جريدة السفير على هذه الفرصة.. لقد جاء دستور 20 يوليو1991 في إطار السعي المستمر والمضطرد لبناء الدولة الموريتانية، ولم يكن سوى متابعة لممارسة دولة القانون التي بدأ السعي لها قبل استقلال موريتانيا من خلال دستور 22 مايو 1959، وكذلك في الدستور المؤسس للجمهورية الأولى 20 مايو 1961 والذي استمر العمل به حتى 1978 إبان الانقلاب العسكري 10 يوليو 1978.
وفي إطار تكوين الدولة الموريتانية عرفنا جمهورية أولى، كما عرفنا مرحلة عسكرية شهدت ما يسمى بالمواثيق الدستورية، وهذه الممارسة الخاصة بالموريتانيين كانت هي المصدر شبه الرسمي لبلورة دستور 20 يوليو 1991.
هذا الدستور أسس جمهورية جديدة هي الثانية بعد الأولى، وكان هدفه الأساسي ضمان الحريات الفردية والجماعية للإنسان الموريتاني، وأعطى لذلك مقاما كبيرا في مادتيه(2)،و 13 ، وقد أعطى هذا الدستور للإنسان الموريتاني واجب المشاركة الفعلية في ممارسة السلطة السياسية من خلال الاختيار الحر في الانتماء الحزبي، واختيار ممثلي الأمة، سواء تعلق الأمر بالرئيس أو النواب أو الشيوخ ، وسواء كانوا عمدا للبلديات.
إذن دستور20 يوليو سعى إلى تكريس مبدأ المشاركة الواعية والمسؤولة للمواطن الموريتاني في اختيار من يمثله، وكما عمل عل فصل السلطات الذي هو مبدأ أساسي لبناء دولة القانون وقيام الديمقراطية،وتجسد ذلك من خلال الفصول التي تم على أساسها توزيع الدستور، كالفصل الخاص بالسلطة التنفيذية، والفصل الخاص بالسلطة التشريعية، والفصل الخاص بالعلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وكذلك الفصل الخاص بالسلطة القضائية،على عكس ما كان عليه الأمر في دستور 1961 الذي لم تكن فيه السلطة القضائية مستقلة وإنما كانت هيئة فقط لا سلطة.
المؤسسات الدستورية الرسمية هي: البرلمان المكون من غرفتين (نواب وشيوخ)، ورئاسة الجمهورية، ومؤسسة الحكومة، والمجلس الدستوري الذي يعتبر دوره مهما في الإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وفي الرقابة الدستورية للقوانين، وفي الحالتين هو حكم قضائي دستوري، كما خوله الدستور سلطة ثالثة هي الاستشارة التي قصرها على رئاسة الجمهورية.
ولم تتح هذه الصلاحية للوزير الأول إلا فيما نصت عليه المادة 57 من الدستور، حيث النص على تحديد ميدان القانون، و ما للحكومة أن تأخذه من خلاله عبر البرلمان، إلا أن بعض القوانين القديمة أوجدت نوعا من الالتباس بين ما هو تشريع وما هو تنظيم، ففي حالة وجود أحد هذه القوانين القديمة التي وجدت الحكومة أن فيه مجالا تنظيميا وأن هذا المجال يتطلب اتخاذ مراسيم لتجسيده، في هذه الحالة، وكذلك إحالة القوانين قبل إصدارها من طرف رئيس الجمهورية، يحق للوزير الأول أن يحيل مثل هذه القوانين للمجلس الدستوري للبت فيها للفصل بينما هو تشريعي وما هو تنظيمي أو مدى مطابقتهما للدستور وهكذا.
السفير: عرف الدستور بعد هذه المرحلة تعديلين اثنين؛ الأول خلال المرحلة الانتقالية الأولى، وقد تم بعدها عرضه للاستفتاء الشعبي، كما عرف تعديلا ثانيا خلال العام 2012، ولم يعرض حينها إلا على البرلمان، الذي يثار لغط كبير حول شرعيته، من وجهة نظر دستورية ما مدى قانونية أو مشروعية هذه التعديلات؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: في هذا المجال لم تكن الظروف واحدة، ففي العام 2006 كان التعديل في مواد محددة طالت مأمورية الرئيس؛ وحددها في اثنتين بعد أن كانت غير محددة، كما تم نقص المأمورية من ست سنوات إلى خمس وأقر في التعديلات أن ينص اليمين الذي يؤديه الرئيس على أن لا يمس المادة المحددة للمأمورية الرئاسية، وأخيرا تعديل المادة الأخيرة (104) التي كانت تثير جدلا كبيرا حول تقييدها للحريات.
فيما يخص التعديلات الدستورية الأخيرة 2012 فإنه من حيث المضمون ليبس هنالك ما يجعلها متناقضة مع الدستور، لكن المشكلة تكمن في المسطرة التي سلكتها.
فالمسطرة التي تم اتخاذها بدأت في أغشت أو سبتمبر 2011 حيث طلب الوزير الأول من المجلس الدستوري توضيح ما إذا كانت المادة (2) من قانون مجلس النواب ملائمة أم غير ملائمة.
وأود أن أوضح هنا أولا: أن الوزير الأول ليست له الصلاحية في ذلك، لأن الصلاحية في استشارة المجلس الدستوري محصورة في رئيس الجمهورية، ولكن خارجا عن ذلك وعن الأمور الشكلية، فإنه ما كان للمجلس الدستوري أن يصدر قرارا مناقضا للقانون، ففي المادة (2) من قانون مجلس النواب ما نصه: "تنتهي مأمورية الجمعية الوطنية في شهر نوفمبر من السنة الخامسة من سنة انتخابه"، كما هو في القانون النظامي للجمعية الوطنية، وفي هذه الحالة فإن الأمر من الدقة بحيث لا يقبل التأويل، كما أن القانون النظامي 41/91 حول انتخابات الجمعية الوطنية يقول في مادته (2): "تنتهي سلطات الجمعية الوطنية عند افتتاح الدورة العادية لشهر نوفمبر من السنة الخامسة التي تلي انتخاباتها، وفي ما عدى حالة الحل، تجري انتخابات عامة في 60 يوما التي تسبق انتهاء سلطات الجمعية الوطنية.
وهنا لا يمكن التأويل أيضا، حيث إن الجمعية الوطنية جرى انتخابها في نوفمبر 2006، ونعلم أن السنة الخامسة التي تلي انتخابها تنتهي في نوفمبر 2011، وهذا لا يحتمل التأويل، والمجلس الدستوري مجبر على احترام هذا القانون. لكنه كان بإمكان المجلس الدستوري أن يبلغ الرئيس أنه وفي حالة ما إذا لم يكن بالإمكان تنظيم الانتخابات في موعدها، أن عليه أن يجري استفتاء لتمديد المدة حسب المسطرة الدستورية التي تتيح ذلك من خلال قانون استفتاء أو حسب المؤتمر؛ حيث يلتئم النواب والشيوخ في اجتماع تتم خلاله المصادقة على قانون تمديد المأمورية للمجالس النيابية.
وهذا التمديد لا يكون نافذا إلا إذا تمت المصادقة عليه قبل نهاية نوفمبر، لأنه بعد هذا التاريخ يكون مجلس النواب قد انتهت مأموريته. وهذا لم يحصل وهو ما جعل الطعن في ما حصل مشروعا وكبيرا.
السفير: هل يبقى المجلس الدستوري بعد ارتكابه مثل هذا الخطأ الفادح مؤهلا للاستشارة؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: على كل حال؛ الخطأ يمكن تصحيحه بقرار قضائي دستوري يوضحه، و دائما ما تقع المؤسسات في الأخطاء وتتراجع عنها بإصلاح مضمن في نص جديد.
السفير: معنى ذلك؛ أنه ليس من حق الوزير الأول طلب استشارة المجلس الدستوري؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: تنص المادة 52 من الدستور على ما يلي: "يجتمع المجلس الدستوري مباشرة عندما يطلب منه رئيس الجمهورية استشارة في الحالات الواردة في الفقرة الأولى من المادة 39 من الدستور"، كما تنص المادة 53 على ما يلي: "يقدم المجلس الدستوري رأيا حول التدابير والشروط المطلوبة في النص المشار إليه في المادة السابقة بسبب هذا الرأي وينشر".
يبلغ رئيس الجمهورية المجلس الدستوري بالإجراءات التي يزعم اتخاذها ويخبر المجلس الدستوري برأيه فورا" انتهى. هذا يعني أن الوزير الأول ليس من اختصاصه الاستشارة؛ وإنما هي من اختصاص رئيس الجمهورية فقط إلا فيما تعلق بما نصت عليه المادتان 59 و86 التي سبق تفصيلهما.
السفير: وما الحل بعد ما حصل من تعديلات خارج مأمورية البرلمان، ولما نحن فيه الآن من وجهة نظر دستورية؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: هذا النوع من الإشكالات لا يمكن حله إلا بالإجماع بين الفاعلين السياسيين، فحين يكون هناك نقص بيَن لابد من معالجة إجماعية، ذلك أن الديمقراطية تمارس على أساس قواعد ومبادئ ونصوص واضحة، وحين يتم التلاعب بالنصوص والقواعد فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى هذا النوع من المشاكل.
ولكن عموما فإن القانون يعتمد في أساسه على الإجماع الذي يظل دائما هو الطريقة المثلى لحل المشاكل بين القوى الفاعلة في الدولة..
السفير: ماذا -إذن- عن التعديلات التي أقرت إثر الحوار بين أحزاب المعاهدة والأغلبية وهل هي دستورية؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: المجلس الدستوري اتخذ قرارا قضائيا على أساس المادة المتعلقة بانتداب الجمعية الوطنية التي هي خمس سنوات.. "ينتخب النواب في الجمعية الوطنية لمدة خمس سنوات بالاقتراع المباشر"، ولأن الدورة الأولى لم تبدأ إلا في ابريل 2007 فإن خمس سنوات التي ينص عليها الدستور لن تكتمل إلا في ابريل 2012، وفي هذه الحالة يمكن للجمعية الوطنية الاستمرار حتى ابريل 2012؛ هذا ما أفتى به المجلس الدستوري.
السفير: هل هذا يعني أن وضعية الجمعية الوطنية سليمة الآن؟
الدكتور محمد الأمين ولد داهي: لا في هذه الحالة وضعية الجمعية ليست سليمة لأن الدستور ينص على ضرورة احترام القوانين المنظمة لمجلس النواب.
وبهذا لا تكون الفتوى التي أصدرها المجلس الدستوري سليمة من وجهة نظر دستورية، لأن المجلس الدستوري معني بالإشراف على منطوق القانون، وهو الجهاز المسؤول بالدرجة الأولى عن احترام القوانين، نصا، وروحا.
صحيح أنه في بعض الحالات تحصل ملابسات، ويكون هنالك قدر من عدم الوضوح، هنا يمكن للمجلس الدستوري أن يوضح أكثر، غير أن المادة (2) لا تدخل في مجال الالتباس لأنها حين تقول" من شهر نوفمبر" فإن الأمر من التحديد بحيث لا يقبل التأويل.
وعليه، تكون كل التعديلات التي أعقبت ذلك خارجة عن نطاق المسطرة الدستورية الموريتانية التي اعتمدت في دستور 1991 والقوانين التنظيمية لمؤسساته.
السفير: وهل يعني ذلك أن إلغاء انتخابات مجلس الشيوخ أو توقيف تجديد ثلثه غير سليم؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: ليس سليما "فقد كان عليهم تنظيم الانتخابات في حينها أو إجراء تمديد لمأموريتها على أساس المساطر الدستورية عن طريق استفتاء أو عن طريق قانون يصوت عليه المؤتمر.
وهذا ما لم يحصل.. ما حصل هو تمديد على أساس التعديل الدستوري في مارس عام 2012 الذي نص على أن الغرف البرلمانية مأموريتها ممددة حتى الانتخابات القادمة.
ومعلوم أنه في إطار دولة القانون والشفافية المطلوبة فإن المشرع دائما ما يحدد الوقت، وهنا لا نجد تحديدا لوقت. ونحن نعلم أن الأنظمة السياسية تضع في برامجها أمورا محددة حيث تقول إنها ستنجز كذا وكذا في العام الأول، وفي الثاني ستنجز كذا، وفي القانون لابد من الوضوح والتحديد التي هي معايير رئيسية له.
اللجوء إلى القول: "حتى الانتخابات القادمة" هذا ليس فيه تحديد، فقد تكون الانتخابات القادمة بعد 10 سنوات.. ما المانع؟ وهل يعني ذلك أن المأمورية ستستمر حتى ذلك الوقت؟
كان من الأجدر بهم وضع حد زمني كالقول في سنة أو شهر أو 10 أشهر،وهذا ما تقتضيه المسؤولية ودولة القانون.
السفير: المادة 32 من الدستور تتحدث عن تفويض السلطات من الرئيس للوزير الأول كيف يتم ذلك؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: تتعلق المادة 32 بتفويض رئيس الجمهورية لبعض أو كل صلاحياته للوزير الأول، وعلى ذلك الأساس تم اتخاذ مرسوم يحدد صلاحيات الوزير الأول في ابريل 1992 حتى قبل تعيين الوزير الأول حتى لا يكون ذلك أمرا شخصيا.
السفير: ما حجم الصلاحيات التي منحها هذا المرسوم للوزير الأول؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: لقد منح هذا المرسوم ست صلاحيات أساسية للوزير الأول فقد أعطاه صلاحية توقيع جميع المراسيم التي تمت المصادقة عليها في مجلس الوزراء وإدارة وتنسيق نشاط الحكومة والمجالس الوزارية المتخصصة، ثانيا: توقيع العقود المتعلقة بالصفقات العمومية، ثالثا: إصدار المسطرة المتعلقة بإرسال المشاريع القانونية التي صادق عليها مجلس الوزراء إلى الغرف البرلمانية. أي تحريك المسطرة التشريعية، وكذلك سلطة تعيين المفوضين المعنيين بالدفاع عن تلك المشاريع القانونية من خلال مراسيم، كما أن المرسوم في مادته الخامسة يتحدث عن أنه في حالة الغياب أو المانع المؤقت لرئيس الجمهورية، يمكن للوزير الأول أن يرأس مجلس الوزراء، وفي المادة 6 تتحدد الأجهزة التابعة للوزير الأول كالديوان والأمانة العامة للحكومة وبقية الأجهزة التي تقع تحت وصايته كمفوضية الأمن الغذائي وغيرها.
السفير: وليس من ضمن ذلك الجيش؟
الدكتور محمد الأمين ولد داهي: بالنسبة للجيش فإن الدستور وحتى المرسوم لم يوضحا تبعيته للوزير الأول، وإنما كانت هنالك عبارة مائعة.. تقول المادة (2) من المرسوم "تسهر الحكومة على إنجاز سياسة الدولة وفقا للتوجهات والخيارات المحددة من طرف رئيس الجمهورية، وتوضع تحت تصرفها الإدارة وقوى الأمن لضمان هذه المهمة" ومعلوم أن الجيش هو من قوى الأمن بمفهومها الواسع.
السفير:هل يتيح المرسوم للوزير الأول صلاحية ترؤس مجلس للوزراء تتم فيه المصادقة على مشروع قانون الميزانية، ومن ثم تقديمها للبرلمان؟
الدكتور محمد الأمين ولد داهي: تنص المادة 4 من المرسوم على أن الوزير الأول يكلف فيما يتعلق بمشاريع القوانين بتحديد المسطرة التشريعية"، وتقول المادة 5 "يمكن للوزير الأول في حالة مانع مؤقت لرئيس الجمهورية أن يرأس مجلس الوزراء".
السفير: هذه المادة طبعا تم إلغاؤها؟
الدكتور محمد الأمين ولد داهي: هذه المادة ألغيت في المرسوم 157/2007 وما أدري إن كان ذلك عن قصد أو هو ناتج عن إهمال، لكن المشكلة أن الموانع دستوريا تتخذ طابعين: المانع النهائي الناجم عن العجز النهائي عن ممارسة السلطة من طرف رئيس الجمهورية، وهذا المانع يتحقق منه المجلس الدستوري، وعلى أساسه تتم النيابة من طرف رئيس مجلس الشيوخ، وقد حددت له قيود وشروط موجودة في المادة 40 من الدستور. المانع المؤقت لرئيس الجمهورية تم تنظيمه في المرسوم 28/1992 والذي يقول أن الرئيس في حالة الغياب المؤقت سواء كان غيابا أو مرضا، يمكن للوزير الأول أن يترأس مجلس الوزراء لأنه بدون مجلس الوزراء كهيئة وكسلطة جماعية لا يمكن أن ينفذ أي شيء، ولا يمكن لأي دولة أن تظل دون مجلس وزراء، فمن خلاله يتم تطبيق القوانين والقرارات ذات الطابع الاستعجالي، أو العادي.
السفير: في حالة العجز النهائي لرئيس الجمهورية كيف يتم تحديد العجز، وممن تكون الاستشارة للمجلس الدستوري؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: هناك حسب المادة 41 من الدستور ثلاث جهات يمكن لها أن تحيل القضية للمجلس الدستوري، الأول منها هو رئيس الجمهورية، أما الثاني فهو رئيس الجمعية الوطنية، والثالث هو الوزير الأول.
السفير: هل إن لكل من هؤلاء الحق أن يقدم طلبه بشكل مستقل، أم أنه لابد من تقديم الطلب بشكل مشترك؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: ليس هناك ما يلزم بأن يكون الطلب مشتركا، لكن في العادة أن يكون هناك تشاور شكلي بين السلطات. السفير: هل إنه لابد من تقديم دليل مادي يثبت العجز للمجلس الدستوري؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: فعلا لابد من وجود برهان يؤكد حالة العجز، كبيان طبي أو غيره. فليس للمجلس الدستوري أن يبني قراراته إلا على قرينة واضحة. السفير: من ناحية قانونية، من له الحق في تسيير الدولة في الحالة التي نعيشها منذ 13 اكتوبر وحتى اليوم، خاصة في ظل تعديل المرسوم 28/1992؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: هناك ارتباك كبير في هذا المجال، كان من الحكمة أن يقدم للرئيس صبيحة إصابته مشروع مرسوم على أساس المادة 32 من الدستور يخول للوزير الأول الإنابة المؤقتة حتى يكون تسيير الدولة مقبولا من الناحية الدستورية.. هذا لم يحصل، وقد رأيت في بعض الأنظمة، وبصفة أخص في فرنسا أنه دائما ما يقوم الرؤساء بإصدار مراسيم إنابة في مثل هذه الحالة كما فعل الجنرال ديكول لرئيس الحكومة حينها، وكما فعلها بعده ميتران وشيراك 2005. مع أن الإنابة المؤقتة منظمة في الدستور الفرنسي على عكس ما هو حاصل عندنا في الدستور الموريتاني الذي لا ينظم إلا حالة شغور المنصب، أو المانع النهائي. غير أنه في موريتانيا كان هناك مرسوم28/92 الذي ينظم الإنابة المؤقتة لأنه لابد من السير المنتظم والمضطرد لمرافق الدولة، وعلى المؤسسات الدستورية أن تستمر في عملها دون عرقلة.
السفير: ماذا لو طال غياب الرئيس، هل لمجلس الوزراء أن يستمر دون أن يعقد اجتماعه، وما هي السبل القانونية لحل هذا الإشكال؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: السبل القانونية للخروج من الإشكال تكمن في أنه مادام الرئيس في وضعية مانع مؤقت، عليه أن يفوض الوزير الأول بعض أو كل صلاحياته بمرسوم؟
السفير: كيف له أن يصدر ذلك المرسوم وهو في بلد أجنبي؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: يمكن له أن ينتقل إلى السفارة ويوقع المرسوم المفوض لسلطاته فيها، ومن ثم يصبح نافذا وبذلك يحترم مبدأ ترابية إقليمية القانون.
السفير: وفي حالة ما إذا كان الرئيس عاجزا عن الوصول لمبنى السفارة؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: (يبتسم).. مبدئيا عليه أن لا يوقع القانون إلا على أرض موريتانية، أو على ما هو في حكمها.. كأرض السفارة التي تعتبر أرضا موريتانية.
السفير: هل هناك حدود قانونية للفترة الزمنية التي يمكن للرئيس أن يقضيها خارج الحوزة الترابية لموريتانيا؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: ليس هناك ما يحدد فترة غياب الرئيس، لكن أود التنبيه إلى أن المرسوم المحدد لصلاحيات الوزير الأول الصادر عام 1992 وفي المادة 5 منه في نسخته باللغة الفرنسية ورد فيه "أنه في حالة غياب رئيس الجمهورية أو مانع مؤقت له، يمكن للوزير الأول أن يرأس مجلس الوزراء" إلا أنه في النسخة العربية حصل خطأ مطبعي- ربما- نجم عنه سقوط عبارة "في حالة غياب" وتركت فقط عبارة " مانع مؤقت له" ولم تحدد فترة الغياب.
السفير: طيب ما هي السبل الممكنة للخروج من الوضعية التي تعيشها البلاد، من ناحية دستورية وقانونية؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: هناك طريقان: الأول أن يعمد رئيس الجمهورية وهو في حالة غياب إلى إصدار مرسوم يفوض فيه كل أو بعض صلاحياته للوزير الأول، وهو ما من شأنه أن يضمن السير المنتظم والمضطرد لمؤسسات الدولة.. الثاني: أن يلجأ إلى إجماع وطني وسياسي يخفف من حالة تجاوز كل المؤسسات الدستورية لصلاحياتها لأننا– للأسف- فعلا ومنذ نوفمبر 2011 ونحن في إطار يمكن التشكيك فيه بعد الأخطاء التي وقعت فيها المؤسسات الدستورية كلجوء المجلس الدستوري لتأويل في غير محله أو التمديد للغرف البرلمانية الممثلة (مجلس الشيوخ، النواب)بشكل لم يحدد وقتا وترك المجال لها "حتى انتخاب مؤسسات جديدة".
هناك قدر من الأخطاء تجعل من الواجب مراعاة الأمور الوطنية لضمان السير العادي والمستمر لشرعية هذه المؤسسات؛ سواء كان ذلك بالإجماع أو بانتخاب هذه الهيئات في وقت مقبول من الجميع.
السفير: تم في التعديلات الدستورية الأخيرة تحويل المصادقة على بعض الاتفاقيات من البرلمان إلى مجلس الوزراء، هل لذلك سند دستوري أو قانوني ؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: لا "ذلك ليس دستوريا" لأن المادة 57 من الدستور تحدد ميدان القانون بجلاء ودون إبهام، حيث أوضحت ذلك دون إمكان للتأويل. "تدخل في مجال القانون حقوق الأشخاص وواجباتهم الأساسية لاسيما نظام الحريات العمومية، وحماية الحريات الخصوصية، والتبعات التي يفرضها الدفاع الوطني على المواطنين في أنفسهم وأموالهم، الجنسية، حالة الأشخاص وأهليتهم، الزواج، الطلاق، الميراث، شروط إقامة الأشخاص، ووضعية الأجانب، تحديد الجرائم، والجنح، وكذلك العقوبات التي تنفذ بموجبها الإجراءات الجنائية، العفو الشامل،إنشاء وتنظيم الهيئات القضائية، النظام الأساسي للقضاة،الإجراءات المدنية وطرق التنفيذ، النظام الجمركي، نظام إصدار العملة، نظام المصارف والقروض، والتأمين، نظام الانتخابات، التقطيع الإقليمي للبلاد، نظام الملكية والحقوق العينية، الالتزامات المدنية والتجارية، نظام المياه والمعادن،المحروقات، الصيد والتجارة البحرية ،الثروة الحيوانية والبيئية، والنباتية ، حماية التراث الثقافي والتاريخي والمحافظة عليه، القواعد العامة المتعلقة بالتعليم.. والقانون النقابي وقانون العمل والضمان الاجتماعي، والقانون العام للإدارة، والتنظيم، المجموعات المحلية واختصاصاتها ومواردها، الوعاء الضريبي ومعدل جبايته، وطرق جباية الضرائب من شتى الأنواع، وفئات المؤسسات العمومية الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين وكذلك النظام العام للوظيفة العمومية... الخ.
إذن النظام العام للمياه والمعادن كل ما يمسه لابد أن يمر على البرلمان..
كذلك الدستور بوب على المعاهدات والاتفاقيات الدولية في المواد: 78 و 79 و 80، ولابد أن تعد هذه الاتفاقيات على شكل قانون يصادق عليه البرلمان.
وإذا لم يحصل ذلك فإنها لا تكون قانونا داخليا، ومعلوم أن مجالها عادة ما يكون زيادة في ميزانية الاستثمار أو ميزانية التسيير، والتمويلات لابد أن تدخل في هذا الإطار.
السفير: التعديلات الأخيرة زادت عدد أعضاء المجلس الدستوري بثلاثة أشخاص.. وقد تم تعيينهم بمرسوم.. غير أنهم لم يؤدوا اليمين القانونية أمام الرئيس.. ما هي صفتهم القانونية الآن؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: المواد الثلاث التي غيرت في الدستور قالوا إنها لا تدخل حيز التنفيذ إلا بعد الانتخابات القادمة، وخاصة ما يتعلق منها بزيادة صلاحيات الوزير الأول، وزيادة عدد النواب ودورات البرلمان الأربعة.
ما يتعلق بالمجلس الدستوري لم يعلق على شيء وكان عليه أن ينفذ مباشرة في يناير أو فبراير..
والأعضاء الثلاث الجدد لا يمكنهم أن يمارسوا مهامهم إلا إذا أكملوا الشروط التي منها إلزامية تأدية اليمين.
السفير: هل إن المجلس الدستوري في هذه الوضعية سليم؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: بناء على التعديلات الدستورية 20 مارس 2012 فإن المجلس الدستوري يكون من تسعة أعضاء، ولابد من أن يسير هذا المجلس على أساس من الناحية القانونية، الطبيعة لا تتحمل الفراغ، ولا بد من ما ليس منه بد، وعليه فقط علينا أن نبني على ما هو موجود.. لأنه ليس من القبول وقف السير المضطرد والمنتظم للمؤسسات الدستورية. وعموما فهؤلاء الثلاثة ليسوا أعضاء ولا تترتب لهم حقوق مادية حتى يتموا الشروط ويقسموا اليمين.
السفير: إذا لم يتمكن مجلس الوزراء من الانعقاد في وضعيتنا الحالية، فكيف لقانون الميزانية أن يطبق؟
الأستاذ محمد الأمين ولد داهي: في حال ما لم تتم المصادقة على قانون الميزانية هناك إجراء، وحده رئيس الجمهورية هو المخول باتخاذه، ويتمثل في إعادة قانون الميزانية القديم.. ويظل ذلك ساريا إلى أن يوجد حل يتيح التصويت على قانون الميزانية الجديد..
لأن القاعدة القانونية تقول دائما بضرورة السير المنتظم للمؤسسات وهو أمر لابد منه وهذا ليس مخولا إلا لرئيس الجمهورية في نظامنا،وليس لغيره الحق فيه، سواء كان ذلك مجلس الوزراء أو رئيس الحكومة.
السفير: شكرا جزيلا لكم.
أجرى المقابلة: عبد الرحمن ولد الزوين