ربما هذه المرة الأولى التي تكون فيها الخطة الروسية واضحة المعالم في سوريا، حيث سعى الروس لمجاراة إدارة الرئيس الأمريكي في التفاوض حول الأزمة مطولا، على أمل تحقيق أكبر قدر ممكن من التنازلات الأمريكية، أو مضيعة للوقت حتى تقترب فترة انتهاء مرحلة أوباما الرئاسية.
اليوم باتت الخطة الروسية واضحة، حيث قاموا بمجاراة إدارة أوباما في مفاوضات لا معنى لها، وعندما انهارت الهدنة، الفاشلة أصلا، ودخول أوباما مرحلة النهاية بصفة رئيس، فعليا، ها هم الروس يشنون هجوما عسكريا جويا على حلب لدعم بشار الأسد، ومرتزقة إيران، وذلك ليس لكسر صمود حلب، بل الواضح أنهم يخططون لاجتياحها بريا، وهو ما نقلته «رويترز» عن مسؤول عسكري في النظام الأسدي. وعليه فإن خطة الروس الآن هي كسر المعارضة السورية، والحصول على أكبر المكاسب ميدانيا، بالخيارات العسكرية، ولذا نجد أن الروس الآن يشاركون في قصف حلب، ويقدمون دعما جويا ملحوظا للأسد هناك.
يفعل الروس كل ذلك؛ لأنهم أدركوا، عمليا، أن الرئيس أوباما لم يعد بمقدوره فعل شيء الآن، خصوصا أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعد أسابيع من الآن، وبالتالي فإن هناك مرحلة انتقالية بعد الانتخابات، وعليه فإن هذه تشكل فرصة سانحة لتحقيق مكاسب على الأرض في سوريا قبل التعامل مع الرئيس الأمريكي الجديد، والذي خلف له أوباما أزمة شديدة التعقيد في سوريا، وهو ما اعترف به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حين قال: إنه يخطئ من يعتقد بأن الأزمة السورية لن تصل إلى ما هو أسوأ.
وبالفعل فإن الأزمة السورية هي الآن في أحد مراحلها السيئة، وإن كان ما هو أسوأ قادم، أمنيا، ومن ناحية اللاجئين، وليس على دول المنطقة وحسب، بل وعلى المجتمع الدولي.
فعل الروس ما فعلوه استغلالا لرغبة الرئيس الأمريكي أوباما في تجاهل الأزمة، وإن حاول في آخر الأسابيع الماضية تدارك الأوضاع، وفشل، لأن أمريكا تجاهلت الحلول الحقيقية. كما أن الروس يفعلون ما يفعلونه في سوريا استغلالا لعجز الأمم المتحدة. ومن يرصد جملة التصريحات الأمريكية، وكذلك الصادرة عن الأمم المتحدة، وذلك بعد قصف قوافل الإغاثة الإنسانية في حلب، سيجد أننا أمام «لعب عيال» حقيقي، حيث لا جدية على الإطلاق، بل مجموعة تصاريح متناقضة، وجلها يعبر عن الإحباط، وخصوصا ما صدر عن الإدارة الأمريكية. حيث نجد أن الأمم المتحدة عاجزة عن اتخاذ مواقف لحماية القوافل الإنسانية. وعاجزة عن حماية المدنيين السوريين، ومثلها أمريكا، ورغم مقتل ما يزيد على نصف مليون سوري، فها هي روسيا تساند الأسد في هجوم كامل على حلب!
وعليه، فإن الخطة الروسية باتت واضحة، وهي استغلال فترة الانتخابات الأمريكية، حيث تقوم موسكو بمساندة الأسد وإيران في قتل السوريين، والمؤكد أن ذلك لا يعني انتصارا روسيا بقدر ما يعني أن علينا توقع الأسوأ من ناحية الإرهاب، والتداعيات السياسية، والإنسانية، خصوصا أزمة اللاجئين.