يرى البعض في بيع الأراضي الزراعية بإفريقيا أو تأجيرها أمراً مشيناً يمسّ من خصوصية القارة وحتى من حرمتها، في حين يجد البعض الآخر في تمشّي مماثل، استثماراً أجنبياً قادراً على إنعاش المؤشرات الإقتصادية ودفع عجلة النمو في أرجاء القارة.
رأيان يقفان على طرفي نقيض، ويرفعان من منسوب جدل صاخب يغيب فترة ليعاود الظهور لفترات، حتى بات من الملفات القديمة المتجددة المرتبطة بإفريقيا، ما رشّحه ليُدرج على قائمة جدول أعمال “المعرض الدولي للزراعة والأغذية الزراعية” المنعقد مؤخراً بالعاصمة التوغولية لومي.
وبغض النظر عن المدّ والجزر المتعلق بالمواقف المنحدرة بشأن الموضوع، إلا أن الاهتمام العالمي بظاهرة بيع أو تأجير الأراضي الزراعية في إفريقيا، أو ما يطلق عليه الكثيرون “الاستحواذ” أو “الاستيلاء” على تلك الأراضي، يظل مرتبطاً في عمقه بأرقام تؤكّد جدارة الاهتمام الذي يحظى به الملف.
أرقام تضمّنتها العديد من الدراسات المحلية، إضافة لتقارير صادرة عن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والبنك الدولي، أظهرت أن إفريقيا باعت منذ العام 2000، أراضٍ زراعية بقيمة 100 مليار دولار.
وفي سياق متصل، أشار تقرير صدر مؤخراً عن “المنظمة الدولية لقانون التنمية” (منظمة تعنى بتعزيز الحوكمة الرشيدة في البلدان النامية)، إلى أنّ “معظم معاملات العام 2009، جرت بإفريقيا، حيث تغيّرت ملكية 39.7 مليون هكتار من الأراضي، أي ما يفوق مساحة الأراضي المزروعة في كل من بلجيكا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وهولندا وسويسرا مجتمعة.
وفي الاتجاه ذاته، أوضح “فريد بيرس” الصحفي البريطاني المتخصص في القضايا البيئية والزراعية، في كتابه “المحتكرون للأراضي للزراعية” أنه “من بين جميع الأراضي الزراعية حول العالم، لا توجد (أراض) في المتناول أكثر من السافانا الغينية”، مشيراً إلى أن “مساحة شاسعة من المراعي تمتد على 25 بلدا (إفريقيا)، بين الغابة والصحراء”، تقدر وفق البنك الدولي بـ “600 مليون هكتار”، ما يؤهلها لتكون “آخر أكبر احتياطي من الأراضي غير المستغلة في العالم”.
الصحفي البريطاني تساءل، في ذات الصدد بالقول: “لماذا تتخلى الدول الإفريقية عن طيب خاطر، عن أراضيها للمستثمرين الأجانب، رغم التاريخ الاستعماري المعروف بمصادرة الأراضي؟”، لافتاً إلى أن هؤلاء الأجانب يستخدمون “العبارات المنمقة” عند الحديث عن ممتلكاتهم وأنشطتهم المقدمة على أنها “مولداً للتنمية الزراعية ونقل التكنولوجيات في المجال الفلاحي وخلق فرص العمل”، رغم اعترافهم بأن هذه المناطق قليلة السكان.
ومن بين البلدان الإفريقية التي وقعت أراضيها “فريسة” الأيادي الأجنبية، حسب أحدث دراسة أجرتها شبكة “ثنكنغ أفريكا” (شبكة دراسات إفريقية تتكون من شباب باحثين وأكاديميين وخبراء)، نجد مدغشقر بـ 3.7 مليون هكتار وأثيوبيا بـ 3.2 مليون هكتار، في حين حلت الكونغو الديمقراطية في المرتبة الثالثة بـ 2.8 مليون هكتار وجاءت تنزانيا في المركز الرابع بـ 2 مليون هكتار.
وفرطت السودان، من جانبها، في 1.6 مليون هكتار، في حين تخلت كل من موزمبيق وبنين عن مليون هكتار.
الدراسة ذاتها، أشارت إلى أن المساحة المتنازل عنها من قبل غانا بلغت 700 ألف هكتار، لتعادل كل من ليبيريا والكاميرون، بينما قدرت مساحة هذه الأراضي في كينيا بـ 600 ألف هكتار و500 ألف هكتار في مالي، وتنازلت مالاوي عن 400 ألف هكتار.
في المقابل، تصدرت الصين طليعة ترتيب المشترين أو المستأجرين للأراضي الإفريقية بـ 4.5 مليون هكتارا، لتتبعها الولايات المتحدة الأمريكية بـ 3.2 مليون هكتار، في حين “استحوذت” كل من بريطانيا وماليزيا على 2.5 مليون هكتار.
وبلغت المساحة المستغلة من قبل كوريا الجنوبية 2.3 مليون، تليها الهند بـ 1.8 مليون وقدرت المساحة نفسها بـ 1.1 مليون هكتار بالنسبة للسويد، بحسب المصدر نفسه.
و”تستحوذ” جنوب إفريقيا على 900 ألف هكتار من الأراضي و”تستغل” سنغافورة 700 ألف هكتار، من جانبها، في حين بلغت “المساحة المستغلة” من قبل كل من النرويج وإيطاليا 600 ألف هكتار لكل واحدة، وقدرت بـ 400 ألف هكتار لليابان.
وعلاوة على “الضرر” الذي لحق بالقارة بسبب “الاستحواذ على الأراضي”، إلا أن هذه الظاهرة باتت تحيل على “إعادة استعمار للقارة”، بحسب دراسة “ثنكنع أفريكا”، نظرا لحجم المساحات المتنازل عنها.
في المقابل، يرى محللون آخرون بينهم الخبير التوغولي “إيدوه كوملان تيودور”، أن الوضع ليس بهذا “السوء”.
ورداً على سؤال للأناضول، قال “تيودور” الخبير في الجغرافيا والباحث في جامعة لومي (توغو)، إن التنازل عن مناطق زراعية شاسعة في إفريقيا جنوب الصحراء لصالح كبرى الشركات والمؤسسات الغربية يعتبر “خياراً صعباً”، باعتبار أن الدول المتنازلة عن ملكية أراضيها، تمتلك مساحات واسعة لكنها تفتقر في المقابل للإمكانيات التقنية والموارد المالية من أجل تنميتها، ما يدفعها إلى اللجوء إلى الاستثمارات الأجنبية، رغم ما يستبطنه ذلك من آثار سلبية.
ويعتبر الخبير نفسه، أن “وضع الأجنبي يده على جزء من المكتسبات يمثل تفريطاً في الملكية وفقداناً السيادة، من دون شك وهذا لن يصب في مصلحة إفريقيا بتاتا”.
أما “جان زوندي سيبري”، مدير “نادي الساحل وغرب إفريقيا” الملحق بـ “منظمة التعاون والتنمية الإقتصاديين” (منظمة دولية)، فرأى في تصريح لموقع “سلات أفريك” “SlatAfrique.com الإخباري، أن الظاهرة ليست بهذه “السلبية”، قائلاً: “ينبغي علينا أن نكون حذرين إزاء تشويه هذه الظاهرة والتمييز الجيد بين أصحاب المشاريع القادمين إلى إفريقيا من أجل الإنتاج والتصدير وتحقيق الربح في هذه البلدان الإفريقية التي وضعت سياسات زراعية للاستجابة لطلباتها المحلية”.
تمشي إقتصادي ليس “شديد القتامة”، في قارة بات عدد من بلدانها في مرمى الاتهامات بـ “خيانة” ممتلكات سكانها، رغم النماذج “الناجحة” التي تمكنت من تحقيق أرباح والهروب من الركود الاقتصادي، بينهم توغو.
وتعتبر توغو “خير مثال على ذلك”، وفق تصريح وزير زراعتها “أورو كوره أغادازي”، لمراسل الأناضول على هامش المعرض الدولي لـ “الزراعة والزراعات الغذائية” بالعاصمة التوغولية لومي، الخميس الماضي.
الوزير أضاف قائلاً في سياق حديثه: “الدولة تستثمر في توغو، في المقام الأول، بمجال الزراعة”، لافتاً إلى أنه “خلال السنوات الخمس الماضية، استثمرت الدولة التوغولية، المدعومة من الشركاء الماليين مثل البنك الإفريقي للتنمية والبنك الدولي، أكثر من 230 مليار فرنك إفريقي (نحو 395 مليون دولار) ضمن برنامج واسع للاستثمار في القطاع الزراعي”.
نهج بدأ يعطي ثماره، بحسب الوزير الذي كشف أن “معدل نمو إجمالي الإنتاج الزراعي بلغ في 2015، نحو 5.8 %، أي بمساهمة في الناتج المحلي الخام تقدر بـ 40 %، علاوة على ارتفاع إنتاج الحبوب بنسبة 9 % والبقول بـ 11%، في حين ارتفع إنتاج الدرنات بـ 24 %”.
ومن خلال هذه الاستراتيجية، تمكن هذا البلد الصغير الذي تبلغ مساحته 56 ألف كلم مربع من “التحكم في أمنه الغذائي من خلال التوفير المستمرّ للمنتجات الزراعية وضمان استقرار الأسعار على كامل أراضيها”، بحسب أغادازي.
الوزير أشار إلى أن مستثمراً أجنبياً وحيداً، ينشط في قطاع الزراعات الغذائية في توغو، وهو مجموعة شركات “كاليان” الهندية، في حين مازالت عديد الطلبات الأخرى من مستثمرين أمريكيين وفرنسيين وألمان وصينيين قيد الدراسة.
المصدر الأناضول