الخطاب الذي القاه محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في الذكرى الثانية عشر لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات اغتيالاً، خطاب مليء بالاعترافات التي قد لا يراها البعض اعترافات.
لكن الذين يعرفون ويتابعون ما جرى خلال ثلاثة عشر عاماً مضت لا شك يرون بوضوح حجم الاعترافات بأمور لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى الدمار والفقر والالم وغياب العدل وانعدام الديمقراطية وسحق الحريات في ظل احتلال إسرائيلي دموي عنصري.
فما هي اهم اعترافات محمود عباس !
الاعتراف الهام هو ان ياسر عرفات قد تم اغتياله وانه يعرف اسم القاتل، ويقصد هنا انه يعرف اسم العميل الذي لعب دور الأداة في اغتيال ياسر عرفات.
وهذا الاعتراف يعني ان سنوات حكم أبو مازن الطويلة والتي بدأت بنفي تهمة الاغتيال واستبعادها قبل وبعد ان ارتكبت كانت محاولة لإبعاد التهمة عن أعداء كان لابد ان يفضحوا ويحاكموا على ما فعلوه من جريمة نكراء.
فعندما كتبت للرئيس ياسر عرفات رسالة احذره فيها من مخطط لاغتياله بالسم (نشرت في كتاب عن ياسر عرفات الصادر عن دار رياض الرئيس ببيروت) رفض عباس في اجتماع رسمي ما ارسلته وقال بالحرف حسبما قال لي ياسر عرفات ” انا لا اثق ببسام أبو شريف ولا بمعلوماته او توقعاته).
وعندما أصيب الرئيس أبو عمار بذلت قصارى جهدي لأقنع من يلتقي بالإسرائيليين سراً ان يأخذوا منهم الترياق مثلما اخذه الملك حسين حينما استخدم الإسرائيليون نفس السم لاغتيال خالد مشعل في عمان وأنقذ الترياق حياة خالد مشعل لكن الذين كانوا يمسكون بدفة الأمور لم يفعلوا ولم يقبلوا فرضية الاغتيال بالسم الى ان استفحل السم ولم يعد بالإمكان انقاذ ياسر عرفات.
وعندما أُرسل الى باريس ذهب معه البعض ولكن البعض الاخر بقي لإجراء واتخاذ ترتيبات الخلافة.
الاعتراف الثاني: فشل كل سياسته السابقة ومراهنته على أمريكا وأوروبا وفشل مراهنته على ان قمع الشعب الفلسطيني ومنعه من النضال سوف يجعل إسرائيل تسير قدماً في عملية السلام.
اكتشف الان ان كل الرهان كان فاشلاً ولذلك بدأ خطابه وانهاه بالتأكيد على الثوابت الوطنية التي صار نتنياهو يعتبرها غير قائمة بعد ان سمح نهج أبو مازن لإسرائيل ان تتمادى توسعا وقتلاً ومحاصرة مما شجع إسرائيل ودول عربية على إقامة علاقات تتخطى الحقوق الفلسطينية وقضية فلسطين.
فقد تحول نتنياهو في ظل سياسة أبو مازن الى مقرب من السعودية ودول الخليج أكثر من أبو مازن ودون إعارة الحق الفلسطيني أي اهتمام.
واعترف أبو مازن ان سياسته ونهجه قادا الى وضع أضعف السلطة ورجح كفة إسرائيل الى حد انه لم يعد يملك القدرة على فعل شيء (كما يظن هو ويقول هو) سوى التمني على مؤتمر باريس الدولي (الذي رفضت إسرائيل حضوره) وعلى مجلس الامن الذي يعرف أبو مازن سلفاً ان لإسرائيل فيه حلفاء يستخدمون الفيتو لخدمة إسرائيل.
ان خطاب محمود عباس هو خطاب الاعتراف بالإفلاس التام.
بطبيعة الحال لم يشر محمود عباس الى العاهات والامراض التي دبت في نخاع السلطة ومؤسساتها، وهي عاهات ناتجة عن الفساد والتلاعب بأموال الشعب الفلسطيني واموال م ت ف واموال فتح.
وبما ان لهذا الفساد وجود ملموس، أصبح من غير الممكن التصدي للمبالغات التي ترافق الحقائق مما جعل التهمة في أوساط الشعب الفلسطيني تزداد أكثر فأكثر.
ولم يشر محمود عباس الى اجهاض مبكر لكل القضاء واستقلاليته وتحويل المحاكم الى جهاز من أجهزة امن الرئيس.
ليس هذا فحسب، بل وصلت الديكتاتورية والانفراد في اتخاذ القرار حد تشكيل محكمة دستورية (لا تستند الى دستور) لزيادة صلاحيات الديكتاتور ديكتاتورية.
ويختصر أبو مازن كل هذه الجرائم ليقفز نحو الحث على انتخابات حرة!.
ويثير في الوقت ذاته من خلال مؤسساته واجهزته ألف عقبة وعقبة في وجه هذه الانتخابات.
الشعب الفلسطيني يؤيد اجراء انتخابات حرة ونزيهة، لكن إذا كانت الجهة المخططة والمتنفذة والمشرفة هي السلطة فالانتخابات لن تكون نزيهة، لأن الاناء لا ينضح الا بالذي فيه.
لنشكل لجنة تضم شخصيات وطنية شفافة وحساسة وتحصل على ثقة الشعب ولتشرف هذه الهيئة العليا على الانتخابات النزيهة، وسيقبل الشعب بالنتائج.
إذا كان اعلان الإفلاس يأتي بهذه الطريقة بهدف بث الشعور بالخوف والقلق من المستقبل فليعلم ان الشعب الفلسطيني مطعّم ضد هذه المخاوف، وانه وصل الى حد الانفجار وسيحاسب الجميع ويعيد أموال الشعب للشعب وان طال الزمن.
بسام أبو شريف