أزمة صحفيين لا صحافة….فلا تضحكوا علينا | صحيفة السفير

أزمة صحفيين لا صحافة….فلا تضحكوا علينا

سبت, 07/01/2017 - 23:12

بعض الصحفيين في الوطن العربي قتلوا الصحافة. هذه هي المشكلة يا سادة. ليست المشكلة مطلقا في الصحافة نفسها. ابتعدت جل الصحف عن الهموم الحقيقية للناس. غازلت السلطات الحاكمة والفاسدة والقامعة. دخلت في المعارك الانتخابية تؤيد هذا وتناهض ذاك. اختارت في صفحاتها الاقتصادية ما يريده رجال الاقتصاد لا الناس. خصّصت في صفحاتها الثقافية ما يريده المسؤول عن الصفحة لا ما تفرضه الثقافة. فلو كان مسؤول الصفحة الثقافية مثلا “شويعراَ” ( أي شاعر صغير) حجب كل إنتاج كبار الشعراء. ولو كان يحبو على طريق الرواية، ألغى كل الأدباء الكبار. عقدة النقص تقرر ما تريده الصفحة لا إشراقة الأدب والشعر والإبداع.

وحين غرق الوطن العربي بالفتن الكبيرة والكثيرة، غرقت قبله الصحافة بدلا من تصحيح المسار والمصير. هذا يشتم النظام وذاك يشتم المعارضة وثالث يشتم الإخوان ورابع يشتم الوهابية وخامس يشتم الشيعة. هذا يهلل للجيوش وذاك يمتدح الإرهاب والمسلحين. رأينا على الأرض العربية تنظيما داعشيا يخفي وراءه تنويعات إرهابية وتكفيرية ولكن أيضا غير إرهابية وإنما من الناقمين البعثيين وغيرهم (في العراق مثلا )، ورأينا على صفحات الصحف والشاشات مئات الدواعش من إرهابيي العقول الذين باعوا ضمائرهم وصغّروا نفوسهم وألغوا ما تيسّر لهم من ثقافة وضيعة لينصّبوا أنفسهم ” أبواقا” بامتياز.

لا أحب المقارنة بين صحافتنا العربية وصحافة إسرائيلية أغلقت ضميرها عن قتل شعب فلسطيني وقبلت الخضوع للرقابة العسكرية حين يكون في الأمر أخبار أمنية أو حربية أو جرمية من قبل كيان غاصب، لكني أسأل : لماذا الصحافة الورقية في إسرائيل ممتازة وعندنا لا ؟ لماذا كلما أراد صحفي عربي أن يستشهد بمقال مهم، فإنما يذكر الواشنطن بوست ونيويورك تايمز والغارديان وغيرها …؟ لماذا لا نكون نحن مصدر الخبر عن أوطاننا للإعلام الغربي بدلا من أن نتحول إلى ناقلين ببغائيين لكتّاب أجانب . هل يُعقل أن نقرأ محللا أميركيا أو أوروبيا أو روسيا لنعرف ماذا في بلادنا ؟

نعم هي أزمة صحفيين لا صحافة. هي أزمة سياسيين يتباكون اليوم على إغلاق صحيفة هنا أو تلفزة هناك، بينما هم لم يضمنوا للحياة الكريمة للصحفي شيئا. جعلوه يتسول على أبواب النواب والوزارء والإدارات والمؤسسات الاقتصادية والتجارية وغيرها كي يحسّن قليلا من راتبه الزهيد. هؤلاء السياسيون هم من قمع الصحافة. ( اسالوا طلال سلمان صاحب صحيفة السفير العريقة التي أغلقت أبوابها كم كان سرور السياسيين كبيرا حين أغلقها، وكيف تباكى عليه بعضهم الآخر بدموع التماسيح ولم يقدم شيئا لإنقاذ واحدة من أعرق الصحف العربية).

نعم هي أزمة صحفيين لا صحافة. هي أزمة نقابات صحفية تنام كأهل الكهف. ماذا حققت النقابات لنصرة الصحفي ورفع شأنه وجعله يعيش بكرامته من راتبه ويكون مضمونا هو وأولاده طبيا وصحيا ؟ . ما هي المجالات والقطاعات السياحية والثقافية والفكرية والابداعية التي يستطيع الصحفي أن يستفيد منها بإبراز بطاقته الصحفية كما يحصل في الدول التي تحترم المهنة.

إن صحافة عاشت على المساعدات والهبات والتحويلات والإغراءات من دول لا تريد للصحافة أصلا أن تكون حرة، تبقى صحافة ذليلة خانعة ويبقى فيها الصحفيون أبواقا، ولو غيرت المسار، انقطع المال وجفت الينابيع وصارت على قارعة الطريق.

تريدون أن ننقذ الصحافة ؟ الجواب سهل :

نترفّع عن الفتن .
نقدم الخبر الصحيح والشريف والصادق
نحلل وفق معلومات دقيقة لا حسب الذي يدفع أكثر
نرفض أن نكون أبواقا في عصر الفتن ونعمل على توحيد هذه الأمة
لا نكون محايدين أمام أزماتنا المصيرية لكننا نكون موضوعين في معالجة الأخبار
نحاول نحن الصحفيين أن نتوحد ونؤسس إعلاما يليق ولا نترك رجال الأعمال والسياسة والصفقات المشبوهة والمال الفاسد يتحكمون برقابنا …
نصرف ما نجنيه من الصحافة على الصحفيين وليس لرفع مستوى ثروات شخصية على حساب المهنة وأهلها .
نرفض أن نتباكى على أبواب الملوك والأمراء والرؤوساء والحكام والوزراء لنسترزق مالا مهينا للمهنة وأهلها …

هل عرفتم اليوم أين هي أزمة الصحافة ؟ فلنكن واقعيين صادقين بدلا من جلد ذاتنا والاستمرار في جوقة الندب الكاذب .

 

سامي كليب