في خضم هذه الاحداث الإليمة والمآسي التي نعيشها ويعيشها العالم وبشكل خاص وطننا العربي وشعبنا الذي تقع على كاهله أعباء وتبعات هذه الاحداث المآساوية ويدفع ثمناً باهظاً من دمه ودم أبنائه ، دون ذنب إرتكبوه فقط لمجرد أنهم يعيشون في بلاد عربية مستهدفة من قبل أعتى القوى المعادية للإنسانية والحضارة والمدنية ولأبسط حقوق الانسان بالعيش الكريم في وطنه وبناء مستقبله ومستقبل أبنائه . إن الوطن العربي مهدد بشعبه وعلمائه ومفكريه وحضارته وتاريخه العريق وثرواته وموقعه الاستراتيجي على خريطة العالم .
في زحمة الاحداث وقساوتها يجد المرء نفسه عاجزاً عن التحليل العلمي والتعبير عن هول المأساة وكل ما يجري على الارض من معارك ضارية وقتال شرس وأطنان الاسلحة الفتاكة التي تنهال دون رحمة على البشر والحجر، ومدن تتهاوى وشعوب تُشرد وتُهجر وتُباد وإعاقات تترك بصماتها على أجساد ندية مدى الحياة .
قوى عديدة ومتشعبة لها أطماع ومصالح في استمرار الاوضاع المزرية وتأجيج الصراع الدامي ، ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا وفلسطين يدمي القلوب و يفوق الوصف والخيال . حرب بلا هوادة لا تحكمها قيم ولا اخلاق وقودها ضحايا أبرياء من نساء واطفال بعمر الورود. جميع القوى المتنازعة تسعى لتحقيق التوازن العسكري وتحقيق مكاسب على الأرض. كل يدور في حلقة مفرغة لأن هذه الحرب الضروس ليس فيها غالب ولا مغلوب ، الخسارة تطال الجميع تكلفتها باهظة الثمن من أرواح بشرية تزهق كل يوم وجحافل النازحين المهجرين تتناثر في كافة أرجاء المعمورة ، تبددت آمالهم وآحلامهم وأفترشوا الارض وإلتحفوا السماء . من يكبح جماح هذه القوى الشريرة الظلامية التي انتشرت كالوباء هدفها فقط تأجيج الصراع العنصري والطائفي والديني، لابد من وقفة جادة لتقييم ومراجعة الحسابات هل تستحق هذه الحرب القذرة كل هذه التكلفة البشرية والمادية ؟ كيف يمكن تقليل الخسائر وحماية المدنين العزل الذين يكتوون بلهيب المعارك وويلات الحرب،. اذا كان تحرير حلب إحتاج كل هذا الثمن الباهظ كم ستكون تكلفة تحرير باقي المدن السورية و إعادة الحياة إليها؟ و من يعيد قوافل الشهداء و القتلى و من يضمد جراح المصابين و من يجمع شتات المشردين الذين تناثروا في جميع أصقاع الأرض و من يعيد كرامتهم و من يلملم أشلاء الأطفال و اَلاف الضحايا الذين إبتعلتهم أمواج البحر.
ان الطريق الوحيد للخلاص هو الوحدة الوطنية ووحدة الشعب السوري بكافة فئاته وأطيافه ، والمشاركة الحقيقة لجميع الاطراف في النهوض من جديد من بين الركام لبناء سورية موحدة سورية لجميع السوريين وبناء جسور الثقة والمحبة والتسامح ، والتعالي فوق الجراح لتسود العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وتحقيق الديمقراطية والتعايش السلمي بين الشعب الواحد والعمل بجدية و بضمير لإيقاف نزيف الدم ولتنصب الجهود لمحاربة العدو الصهيوني والقضاء على ظاهرة الارهاب الاعمى الذي يقلقنا ويقض مضجعنا .
في ظل هذا المشهد الدامي تحل الذكرى السنوية التاسعة لفقيد الوطن الدكتور جورج حبش الحكيم رفيق الدرب النضالي الشاق لقد رحل عنا جسداً لكنه يعيش فينا وفي وجداننا ومازال يسيطر على تفكيرنا ومشاعرنا وفي كل خطوة من خطواتنا . فهو باق بكل ما تركه لنا من زخم نضالي وإرث فكري ومعنوي لا ينضب ستبقى الاجيال تنهل من عصارة فكره ومبادئه وحكمته . صفحة مجد لن تُطوى وتاريخ مشرف سيبقى ذخراً للاجيال .
تتزامن هذه الذكرى الأليمة مع هبة شعبية شبابيه في فلسطين المحتلة يقودها خيرة المناضلين الابطال بشكل فردي في معظم الحالات، نتيجة القمع والقهر والظلم الذي يتعرض له شعبنا في الارض المحتلة وإنسداد الأفق بسبب التمدد الإستيطاني ومصادرة الاراضي وهدم البيوت إضافة الى 800 ألف مستوطن يتغلغون على أرض القدس و الضفة الغربية وبعد كل عملية استشهادية والاعدامات الميدانية المباشرة يستمر الغليان في عروق الثوار ومن جديد يعاهدون كل شهيد يدفن بالإنتقام لدمه الطاهر والاستمرار في حمل الشعلة المتقدة حتى تحرير الارض ودحر الاحتلال. مئات الشبان يتحولون إلى مشاريع شهداء بكل إيمان وثبات رغم تخلي القيادة الفلسطينية عنهم وعدم مساندتهم وحمايتهم يُتركون لمواجهة مصيرهم . قيادة منفصلة عن الواقع مازالت تلهث وراء سراب المبادرات والحلول الوهمية، رحم الله أياماً كانت القيادة تسير في المقدمة وتخوض المعارك وتقود النضال الى جانب المقاتلين في المواقع الامامية داخل المعسكرات أما اليوم تدهورت الاوضاع واصبحت القيادة في واد والشعب المقاتل في واد آخر ، قيادة تدافع عن مصالحها الذاتية وتغرق بالفساد والامتيازات وهذا ما يشجع اسرائيل على الاستفراد بالمناضلين وذويهم دون رحمة في ظل غياب القيادة وأنشغالها بالاتصالات الدولية و المؤتمرات والترتيبات لمفاوضات جديدة أي اوسلو رقم 2 ، وتدور في حلقة مفرغة، وتنظيمات وفصائل مغيبة وغير مؤثرة . حان الوقت لتشكيل قيادة شابة جديدة تتسلح برؤية علمية ثورية ثاقبة تصون تضحيات شعبنا وتحرص على ارواح المناضلين وترتقي الى مستوى طموحات جماهيرنا ومستوى تضحياتهم فليعرف العالم أن شعبنا لن يستسلم للظلم وان هذه المعاناة تولد الانفجار وفي لحظات قاسية يحسم المناضلون أمرهم وتتساوى لديهم الحياة بالموت وهم يعلمون أن لا حل إلا بالتضحية والتفاني والعطاء والمقاومة ثم المقاومة وان عدونا لا يفهم غير لغة القوة والمقاومة . لنعود ونرفع شعار حرب التحرير الشعبية طويلة الامد كما قال الحكيم منذ بدايات العمل الفدائي . أما عن مؤتمر باريس فلم يأتي بجديد و لم يحقق أي مكاسب للفلسطينيين فهو عبارة عن حبر على ورق ، فالعدوان الإسرائيلي على أم الحيران في النقب و هدم البيوت و إطلاق الرصاص الحي على المواطنين العُزّل بأن إسرائيل مستمرة بسياساتها العدوانية أكثر من أي وقت مضى.
أحيي نضالات شعبنا الفلسطيني داخل مناطق 48 الذين يواجهون عدوا عنصريا شرسا يعمل ليل نهار على هدم البيوت و مصادرة الأراضي و تفريغها من أهلها و تشريد الشعب و ما حدث في أم الحيران من مواجهات عنيفة في النقب أدت إلى إستشهاد شاب عربي و جرح النائب أيمن عودة أوجه التحية له و لجميع النواب العرب الذين شاركوا في المواجهات لأنهم يقدمون نموذجا للإنتماء للأرض و الوطن، أتمنى له و لكل المصابين الشفاء العاجل . كما أحيي أبطالنا في القدس المحتلة و الضفة الغربية ، قلوبنا معهم والله معهم. أنحني أمام تضحيات جماهيرنا في جميع المناطق المحتلة .
حمى الله الوطن العربي بكافة أقطاره و شعوبه من المحيط إلى الخليج من جميع الأخطار المحدقة به، و بمناسبة تزامن ذكرى رحيل الحكيم مع ثورتي مصر و تونس نتمنى لمصر أم الدنيا و لتونس الحبيبة الأمن و الأمان و العزة و الأزدهار، و ألف تحية إلى روح الحكيم القائد الرمز و رفيق الدرب النضالي الطويل و الشاق ، ستبقى ذكراه خالدة و متوهجة عاما بعد عام و إلى أمد الدهر. أ
تحية إكبار و إجلال للأسرى و المعتقلين في سجون الإحتلال و لأرواح شهدائنا الأبرار ستبقى دمائهم الغالية أمانة في أعناقنا جميعا.
هيلدا حبش
هيلدا حبش