اللغة العربية هي اللغة الرسمية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية حيث جاء في المادة السادسة من الدستور إن : ''اللغات الوطنية هي العربية والبلارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية''. وفضلا عن ذلك فإن العربية هي لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وهي لغة
رسمية معتمدة في منظمة الأمم المتحدة كما أنها من أكثر اللغات انتشارا في العالم اليوم، أضف إلى ذلك أن مكتبة الثقافة العربية زاخرة بالكتب العلمية والأدبية وغيرها.
ومن أسف أنك تلاحظ اليوم تراجعا ملموسا في إتقان اللغة العربية الفصحى أو الاهتمام بذلك لدى أبنائها وذلك في ظل اجتياح غير مسبوق للغات الأخرى في البلاد في المدارس والمعاهد والجامعات والمعاملات التجارية والإدارية وانجذاب التلاميذ والشبان للغات الأخرى على حساب لغة الضاد. كما أنك ترصد ما ينتاب المتعلمين من حرج إن لم يظهروا ''رطانة'' بلغة أخرى.
ولا شك أن المشهد اللغوي في بلدنا العزيز يعكس تعايش اللهجات الوطنية: الحسانية والبولارية والسوننكية والولفية، و يتسم هذا المشهد أيضا، في الحقيقة بوجود اللغة العربية في مكانة أقل مما منحها الدستور ومما نطمح إليه جميعا، فإذا كانت اللغتان الفرنسية والانكليزية لغات انفتاح وتخاطب على المتعلمين تعليما فرنكفونيا أو انكلوفونيا والمتمسكين بهوية فرنكفونية وأخرى انكلوفونية خاصة إلا أن هاتين اللغتين ليستا أو إحداهما ليست هي اللغة الرسمية الجامعة والموحدة لأطياف الشعب الموريتاني المسلم، ولا تعكس هوية وطنية موريتانية.
من ذلك أننا نزعم الحاجة إلى تعزيز النص الدستوري الخاص بترسيم اللغة العربية بإصدار قانون تنفيذي يقضي بتطبيق فحوى رسمية اللغة العربية وتحويله إلى واقع معاش في الإدارة ومعاملات الناس اليومية في الأسواق وأمام شبابيك الكهرباء الهاتف والتليفون وفي المستشفيات و المدارس العمومية وفي الحالة المدنية وكافة الوثائق... إلخ. لاريب أن مثل هذا النص الذي إن كتب له أن يرى النور في بلادنا بتضمينه تعميم استعمال اللغة العربية وحدها أو مع الترجمة إلى اللغات الوطنية أو على الأقل ازدواجية (العربية -الفرنسية) فواتير الماء والكهرباء والهاتف ومسابقات التوظيف والمراسلات الإدارية إلخ سيخفف من وطأة هيمنة لغة أخرى دخيلة على معاملات وحياة المواطنين اليومية وما يسببه ذلك من تعطيل لمصالح الناس وصعوبة في حياتهم.
إن هذا التوجه وإن كان قد بدأ منذ سنوات بتعريب القوانين وبإلزام ألقاء الخطب الرسمية باللغة العربية وتعريب حديث المسؤولين في الدولة إلا أنه ينبغي أن يكون جهدا متواصلا ولبنات توضع لبنة فوق أخرى في صرح ومسيرة مرتنة وتعريب الحياة اليومية وانسجامها مع الهوية الدينية والثقافية للشعب والمجتمع بعيدا عن الديماغوجية والتعصب الأعمى طبعا. ولا زال هذا الجهد يحتاج إلى مزيد من الخطوات الشجاعة لتمكين اللغة العربية ولاستكمال المسيرة وتوجيه البوصلة نحو التعريب واعتبار اللغات الأخرى لغات دخيلة لا يمكن للجسم الثقافي والحضاري أن يتكيف معها مهما طال الزمن.
يقول نيلسون مانديلا: إذا تحدثت إلى إنسان بلغة يفهمها فسوف يعقل ما تقول، أما إذا تحدثت إليه بلغته الأم فسيصل ما تقول إلى قلبه.
لا شك أن هذه المقولة للزعيم الإفريقي تعبر عن ما يجب أن تتمتع به اللغة الأم من مكانة حتى يتم بناء شخصية الإنسان على شكل صحيح وأن تراعى حقوقه الثقافية وهويته وأن يتمكن من التفاعل مع الثقافات واللغات الأخري بشكل طبيعي كإنسان كامل الهوية والشخصية.
إن من المهم أن يحصل الأطفال على تعليم جيد وأن يكونوا قادرين على التفاعل مع الآخرين عبر لغات متعددة ولكن إتقان اللغة العربية والإلمام بقواعدها كلغة أم يشكل شخصيتهم ويجعلهم قادرين على مواجهة صعوبات التعلم وتجاوز مطبات الحياة الكثيرة. ولا تخفى على القارئ الكريم أهمية تفعيل ترسيم اللغة العربية في كافة المجالات داخل الحياة اليومية حيث يتم ربط الإنسان بواقعه الطبيعي وحيث أثبتت تجارب الدول والشعوب أنه لا بديل عن رد الاعتبار للغة الوطنية الأم ومنحها المكانة اللائقة بها في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والعلمية والعلمية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
شيخنا محمدي الفقيه