لم يخيّب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب امال جمهوره في اتخاذه قرارات بحق المسلمين وذلك كبرهان عن التزامه بوعوده الانتخابية. فالمسلمون بشكل عام والعرب بشكل خاص نفوس رخيصة جدّا يمكن استباحتها طالما ردّ المسلمين والعرب غائبا أو عديم الفعّالية. والغياب العربي والإسلامي الرسمي أو عدم فعّاليته قرار سياسي تتخذه نخب راهنت وما زالت تراهن على الولايات المتحدة، وإذا يصل إلى البيت الأبيض من يعمل جاهدا على تلقينهم بالإهانات والضربات. وموقف الرئيس الأميركي يؤكّد ما كنّا أشرنا إليه مرارا أي إذا كانت مواجهة الولايات المتحدة مكلفة فإن مهادنتها أو المراهنة عليها أكثر كلفة إن لم تكن قاتلة.
التمييز ضد المسلمين الوافدين إلى الولايات المتحدة من عدّة دول عربية وإسلامية له دلالات على عنصرية متصاعدة وأصبحت مكشوفة أمام الجميع. والعنصرية جزء من الثقافة عند العديد من النخب الغربية الحاكمة بشكل عام والأميركية بشكل خاص وإن اختلفت سبل التعبير عنها. ثقافة الإقصاء هي الغطاء الثقافي للعنصرية رغم ادّعاءات “الديمقراطية” و “حقوق الانسان”. فالديمقراطية هي فقط للرجل الأبيض المسيحي وهذا ما تمثّله قرارات الرئيس الأميركي.
هذه القرارات لم تمرّ مرور الكرام في العديد من مؤسسات المجتمع الأهلي في الولايات المتحدة وكندا. فأقامت المظاهرات والاحتجاجات وخاصة على الانترنت بنجاح حيث بدأ الرئيس الأميركي بالتراجع والتخفيف من حدّة قراراته. فتصريحه الأخير هو أن قراراته ليست موجّهة ضد المسلمين بل ضد المشكوك بأمرهم من ناحية الإرهاب. طبعا، هذا كلام لا يغني من جوع ولا يسمن ولكنه يدلّ على مدى الارتجال والارتباك داخل الإدارة الجديدة والمؤسسات الدستورية. فعدّة محاكم في ولايات مختلفة اعتبرت القرار غير قانوني إلاّ أن وزارة الأمن الداخلي صرّحت أن أحكام المحاكم لا يعنيها! فهذه هي “دولة القانون” في الولايات المتحدة!
الملفت للنظر غياب الجامعة العربية. فمواطنو سبع دول إسلامية، منها ستة عربية، منعوا من دخول الولايات المتحدة ومعهم تأشيرات قانونية للدخول ومنهم بطاقات إقامة دائمة. كما أن غياب مؤتمر التعاون الإسلامي وشتّى المنظّمات الإسلامية المموّلة من دول مجلس التعاون الخليجي غائبة كلّيا. فقط الجمهورية الإسلامية في إيران أبدت حرصها على كرامة المسلمين وقرّرت تطبيق المعاملة بالمثل. وعلى ما يبدو فإن الفراغ في العالم الإسلامي في اتخاذ إجراءات تدافع عن حق وكرامة المسلمين قرار واعي ومتعمّد وليس صدفة. وبما أن الطبيعة لا تتوافق مع الفراغ فمن الطبيعي أن تتقدّم الجمهورية الإسلامية لملء الفراغ بعد استقالة الدول العربية من واجباتها وبعد أن أخفقت المنظمات الإسلامية عن القيام بالدور الذي يبرّر وجودها في الأساس.
كما نلاحظ غياب المواقف المندّدة عند القوى السياسية العربية والإسلامية، باستثناء البعض منها التي تثابر على الدفاع عن الحق العربي، بينما الأحزاب والقوى السياسية في العالم تحتج على قرارات الرئيس الأميركي. فهل يعني ذلك استقالة جماعية لهذه القوى؟
أمين عام المؤتمر القومي العربي
زياد حافظ