أتذكرُ أني كنتُ موفداً من "صحراء ميديا" لمرافقته طيلة أيام الحملة الرئاسية، إلى جانب كوكبة من الصحفيين..استهوتني الحملة، خاصةً أننا كنا نصل إلى المدن بُعيد مغادرةِ الغريم القوي أحمد ولد داداه لها.
كنتُ أميلُ إلى دعم ولد الشيخ عبد الله، فهو خبيرُ اقتصاديُ، ورجلُ من الزمن الجميل، ومن وسط اجتماعي مُسالمٍ..باختصار هو رجلُ المرحلة التي تتطلبُ المصالحة، وقد علمتني السياسةُ والتجربةُ أن لا حظّ لولد داداه في الكرسي، لأن العسكر، أو المخزن العميق لا يريده له.
في النعمة، كانت بداية الحملة مرتجلةً، حيث كان يرأسها في الحوض الشرقي محمد محمود ولد محمد لمين، وهو رجلُ من طينة مرشّحه، لا خبرةَ له في الحملات وكيدها..تصوروا أننا دخلنا مهرجان النعمة من دون أن يقف أحدُ على المنصة ليرحب بالمرشح، أويربط بين الفقرات..أخذني العميد ومديري في جريدة "موريتاني نوفيل" اباه ولد السالك إلى ركن من المنصة، وقال لي" ساعدني بتولى الربط والانعاش فأنت من أهل العربية، قلتُ له أنا صحفيٌ وليست لديّ خبرةٌ في الربط والإنعاش، ولا أريد أن يُحسب عليّ اندفاع في حملة أنا في حلٍ منه" وأثناء حديثنا صعد نائبٌ من نواب النعمة على منصة الخطابة وبدأ يكيل الثناء لولد الشيخ عبد الله...
في الأسبوع الأول من الحملة، كنتُ غير واثقٍ في عبور مرشحنا للشوط الثاني، ليس بسبب ضعفٍ في الإقبال على المهرجانات، وإنما بسببِ ما حضرتُه من لقاءاتٍ خاصة بين ولد الشيخ عبد الله ووجهاء هذه المدينة أو تلك..كانت طلباتُهم واضحةً وسخيفة: نريدُ تعيين فلانٍ في المنصب كذا، أو في منصبٍ ذي بالٍ..نريد أن تُعاملنا الدولة نفس معاملتها لجيراننا آل فلانٍ في الحظوة..نريدُ دعماً مالياً لتيسير نجاح هذه الحملة، فالناسُ متعودون على تلك الإعاناتِ..
كان ولد الشيخ عبد الله، وفي كل مرة، وحتى مع وفودٍ نُقدرُ جميعاً قوة تأثيرها يقول: "مرحباً بكم، جزاكم الله خيراً على دعمكم لنا..لا يمكنني أن أعدكم بما ليس عندي..أنا مترشحٌ، ولكم عليَّ إذا نجحتُ إن شاء الله، ألاّ أظلمكم، وأن تجدوا حقوقكم كاملة، موريتانيا تسع الجميع، حتى وإن كانت المواردُ شحيحةً..وسوفَ نبذل وسعنا لدعم البنية التحتية و....".
كلامٌ عائمٌ، أغاظَ عليه أحياناً مجموعاتٍ وازنةً، وكنتُ وزملائي نناقشُ فحوى تلك اللقاءاتِ ونخرجُ بعدَ كل نقاشٍ بأن ولد الشيخ عبد الله، الذي هو مرشح الطامحين لبديل عن العسكر، مقبول من العسكر، ومرشح المخزن، ربما يُفقدُ أنصارَه والمخزنَ والعسكرَ مقعدَ الرئاسة بردوده على طلبات الوفود ...
ناقشنا كذلك موضوع صحة ولد الشيخ عبد الله، حيثُ كنا ضحية دعاية تقول بأنه لا يقوى على السفر ولا على الوقوف، ولا على السهر، وقد حسمنا الجدل في هذه النقطة في اسبوعنا الأول، حين نال منا التعب ولم ينل منه، أو لم نستطع تحملَ ما استطاع الرجل السبعينيُ أن يتحمله..وأتذكر أنني تابعتُ كل شيء له صلة بصحته، حتى أكله، فوجدته لا يتحاشى أي وجبة، إذ كان يتناول نفس الولائم المُعدة لنا سلفاً من قبل مضيفينا..
كنتُ أودُ أن التقي الرجل في نهاية تلك الحملة، ولا مانع لدى لبروتوكول من ذالك، فأنا صديقهم، وبعضُهم يهتمُ بي، ربما لأنه يحسبني من عناصر الحملة الموازية التي كان العقيد ساعتها محمد ولد عبد العزيز يديرُها بنفسه، وكنتُ على علمٍ بها عن طريقِ رفيقنا محمد سالم ولد الهيبة، مدير موقع وجريدة "اتلاتنتيد ميديا" الذي كان ينشط فيها، ويُكلمُ العقيد مباشرة، وبجانبنا.
أثناء مشاهدتي للمناظرة التلفزيونية بينه وغريمه أحمد ولد داداه، أكدت لي الوالدة أن ولد الشيخ عبد الله سوف يفوز في الإنتخابات لأن "دراعةْ لمظلّع اللي لابس أدرجْ من دراعةْ الشكّه اللي لابس قريبنا نحن" والعهدة عليها حفظها الله.
انقطعت كلُ صلة لي بحملة ولد الشيخ عبد الله وبه شخصياً، بُعيد إعلان الزين ومسعود دعمهما له في لقاء شهير بفندق الخيمة، ولم التقه إلا في "لمدن" بعد إطلاق سراحه..ثم لاحقاً في "كولخ" بالسينغال، وفي كل مرةٍ كان سيدي الرجل الطيب السمح كما عهدتُه...
خلافاً لغيري، لم تكن لدي مآخذُ على ولد عبد العزيز الذي ما كتمَ يوماً أنه هو من أتى بولد الشيخ عبد الله، وفهمتُ قبل غيري أن المسار سيؤول حتما إلى تصرف المالك في ملكه.
وكما فهمتُ قبل عشر سنواتٍ أننا لا نستحقُ ولد الشيخ عبد الله، فهمتُ من بيانه يوم أمس أنه لا يريد العودةَ للمستنقع الآسن، وإنما يريد الإصلاح ما استطاع.
من صفحة الصحفي عبد الله ولد اشفاغ المختار على الفيس بوك