يقول الكاتب الصحفي محمد توفيق أن الأنظمة الساقطة في تاريخ الفراعنة بعضها كان مستبدًا، وبعضها كان ضعيفًا، لكن الثابت الوحيد أن هذه الأنظمة أو الدول قد وصلت إلى خط النهاية عندما بلغ الغباء السياسي مداه والضعف منتهاه، وهذا ما حدث مع ثلاثة ملوك تعاقبوا على كرسي مصر بعد الملك بيبي الغبي، هم الملك ساكرع، وتوت، وآي.. كلهم كانوا لعبة في أيدى الكهنة !
لا يمكننا أن نسقط مباشرة ماحدث للفراعنة علي أنظمتنا وان كان وجه التشابه يكمن في طبيعة الكهنة .. فكهنتنا رؤساء احزاب كرتونية ووزراء ومستشارين وأشباه مثقفين تسير أفكارهم وفق هوي السلطان ومجتمع مدني أفرق من معناه ، واعلام غوغائي مرتهن بمن يدفع أكثر وفتاوي معلبة وجاهزة تحت الطلب وشباب أعماه الطموح الجارف للثراء السريع بعرض مبادئه في المزاد العلني ، ويقود هذه المنظومة كشكول متناقض من وزراء الصدف ورجالات اعمال الثراء بلا سبب ليضيع الوطن بين هذا وذاك ... المطرقة والسندان ....و في مهب فساد الغباء السياسي..!
لم يكن أحد يتصور أن يبلغ الغباء السياسي ذروته بالجهاز التنفيذي للرئيس من وزراء ومستشارين ورجالات أعمال.._ وان كنا ندرك ان هذا الاخير يتصف ب*الجهل المركب* لكن لم يكن احد يعتقد أن هناك مستشار أو وزير غبي ..إذ كيف يحدث ذلك في حكومات متنوعة و متعاقبة وبعد مرور احداث و إنقلابات كثيرة ..!!
غباء الوزراء والمسؤلين و المستشارين وجهل رجالات الاعمال ليس وليد صدفة عابرة فهو يمتد الي زمن بعيد غير أن عجلة التغيير لم تستطع تغيير سيكولوجيات القادميين منهم من الخلف ، فكان من المفيد حرمانهم من الكلام علي المنابر فقد يكون ذلك نعمة لهم كي لا نعرف أنهم أغبياء بإمتياز .. !!
ولعل خير دليل علي ذلك هو ماجري في هذه الحملة وفي خطاباتهم الغبية و تصريحاتهم ومواقفهم ولهفتهم على الظهور في سباق مع الزمن و هذا من النماذج والمهازل التي تسيئ الي السمعة و تمس من هيبة الدولة ومن قيمة المسؤول نفسه ولا يخفي ذلك علي المراقب الجاد والبسيط مدى ضعف هذه الحكومة وعدم قدرتها على إقناع شعب عواطفه الوطنية ملتهبة واعصابه متوترة حد الصمت الصارخ.. ولولا ان الدرس الليبي والسوري وما خلفه علي ارض الواقع لا يزال عالقا.. لكان قد فكر بطريقة أخري .. و استخدم اسلوب مهارة طرح الأسئلة .. وهو مع ذلك يحتقرهذه الحكومة من وزيرها الأول الغارق في الفساد والتربح على كاهل المواطن طيلة مشواره الوظيفي وتكريسه لمبدإ صفقات التراضي والتقرب من مقربي القصر فمشواره لازمه تأزم وتخبط وتعثر وخلط بين العام والخاص فمن تسيطر عليه النعرات القبلية والإنحياز للجهة ليس مؤهلا ليقود حكومة نظام يرفع شعار الإنصاف وإشراك الجميع وقد ظهر أداؤه هزيلا في مسقط رأسه جكني حيث أظهرت نسبة المشاركة ضعفه رغم ملئه الوزارة الأولى من أبناء عمومته من أشباه الأطر ، ويأتي رجل النظام الثاني ولد اجاي المعروف بالتملق ولعق حذاء اسياده السابقين الذين وضعوه على بداية السلم ليتجاوزهم بسرعة صاروخية ضاربا عرض الحائط بكل القيم والمبادئ مستخدما سياسة 'الهمز واللمز' و كل الوسائل القذرة للوصول الي أهدافه الوسخة من تسجيل لمكالماته وأحاديث رؤسائه في العمل ليزيحهم وليحل محلهم ، ليبدأ في محاولة وضع رجل في سياسة لبراكنة المحلية واللعب مع الكبار مستخدما نوافذ من زجاج لتلميع صورة مهزوزة ليكمل مشواره التملقي بحشد مهرجان أنواكشوط الكاذب موهما الرئيس بشعبية زائفة إنكشفت يوم الإقتراع لتبرهن على سوء إدارته لحملة أنواكشوط التي أوكلها لمقربين إجتماعيا منه ومتخذا منزله مقرا لها لتأخذ تمويلات الحملة طريقا غير طريقها وخطابا منفرا في غاية السوقية حيث يتجرد من الاخلاق والمبادئ و يصف بعض المعارضة ب آمبيبيلات و طورا بعد طور يخير الجماهير بين ولد عبدالعزيز وبعض الخدمات الحيوية كالماء والكهرباء ! ومع أن الماء هو النعمة الكبرى التي انعم الله بها على بني البشر يقول تعال (وجعلنا من الماء كل شيء حي )
ويقول جل شأنه:(والله خلق كل دآبة من ماء ) ويقول تعالي ( أفرأيتم الماءالذي تشربون(68)أأنتم انزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ) صدق الله العظيم ... وهو بهذا التملق الخطير قد خسر كل شيئ فكان خطابه السياسي الفاسد سيئا و أنتج حتما أعداء جدد لنظامه تنضاف الي حصيلته الدعائية الخطيرة والتي بسببها تواري الكثير عن التصويت !!
وولد محم الذي سحب ولد عبد العزيز البساط من تحته بعد أن أضفى بتملقه صفات إلاهية على الرئيس لتصيبه لعنة تزلفه ويُرمى على دكة بدلاء المتزلفين ! ليأتي بعد ذلك عمدة بلدية ازويرات الشيخ ولد بايه بتصريحات غريبة ولا تقل في غبائها عن أخواتها .. وذات التوقيت السيء بما مفاده أن النشيد الوطني الموريتاني صاغه الاستعمار الفرنسي قبل أن تتأسس الدولة الموريتانية الحديثة;. وقد هز هذا الخطاب الرأي العام الوطني وأثار الجدل والكثير من الغضب واعتبر استهدافاً مباشراً للعلامة باب ولد الشيخ سيديا ... والأمثلة كثيرة ليس هنا مجال حصرها.. كيف لا تفشل حملة يقودها هؤلاء الذين يشعلون النعرات و يزرعون التفرقة و يظهرون ما لا يخفون ويتعمدون لتصعيد وتوتير الأجواء وخلق بيئة للفوضى والفلتان وبالتالي يبتعدون كل البعد عن التأثير و فاعلية الخطاب السياسي الأخاذ التي تعتمد على كفاءة ونزاهة القیادات وصياغة الاهداف ضمن خطاب مقبول يحافظ علي التوازنات ، ولا يخفي علي المتتبع الفاحص بأن هذا التشابه المحوري في أدائهم العفن لم يكن سوي تحالفا علي الفساد و بقاء وجودهم علي الساحة بقوة كفاعل لايمكن الاستغناء عنه في معادلة توازي القوي المهدورة ، لكن حتما هؤلاء لم يقرؤوا عن القطة التي استسلمت للخوف وأكلت أولادها ، أو عن الدبة الغبية التي أكلت صاحبها !!
ان هذا الخطاب الذي يدينه المنطق الآرسطي لفن الخطابة والجدل ويفتقد للتأثير والإقناع الحجاجي.. صاحبه انحطا ط أخلاقي خطير ليخسر في اول جولة مهارة حل الصراع و فن إدارته .. و تسبب ذلك في ضياع رباط وجدانهم السياسي و انهيار شامل للمبادئ والاخلاق ، ضف الي ذلك انهم لا يتحرجون من الكذب و النفاق ، وليس ثمة مذكرة او قانون او علي الاقل راي عام يمكن ان يردع هؤلاء الكذابون و المزورون و النتيجة الحتمية لهذا الافلاس السياسي وخزعبلاته ، كانت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار..ليلة إفراز النتائج ، لكن سكرة النفاق والتملق أعمت بصيرتهم عن قصد أو هكذا خيل لهم .. !!
أحيانا كثيرة أتساءل لماذا يعتلي الغوغائيون و المستخرجون وأصحاب الأهواء والعنتريات الكرتونية أماكن متقدمة من المشهد السياسي وهو سؤال جاد لا يعني اكثر من مضمونه .. القضية ليست معقدة ذلك ان تنفيذ الخطط الفارغة والرجوع الي الخلف بالمسار السياسي يتطلب نوعية من الكائنات الحية التي توسع الهوة بقانون التمثيل وطرق الاحتجاج من اجل الاستهلاك المحلي وهذا هو الوهن السياسي .. وآعتقد بأن ولد عبد العزيز ء الذي إنجازاته كالرئيس ترد بقوة و تشفع له في كثير من المشاهد ' حينما نكون منصفين ! غير انه مطالب حقاً بإثبات ذلك في كثير من المشاهد الأخري التي ظلت وشمة علي أرض الواقع والا فالتاريخ لا يرحم و سيكون كل ذلك العمل هباء منثورا !ـ ، أدرك خطورة فريقه الفاشل على الوطن وعليه وضعف تعبئتهم وتخاذلهم في الدفاع عن مشروعه لموريتانيا ورؤيته لمستقبلها.. فهل بأمثال هؤلاء الذين دنسوا آخر قلعة للمبادئ والأخلاق ومحاولة إستحداث ميلاد الدولة البوليسية.. القدرة علي تطوير البلاد؟ .. وهل هناك أسوأ من وزير قد يفهم في كل الأمور إلا في أمور علاقة الدولة بالشعب !
صراحة ليس لدي ما أضيفه غير اني اري بوضوح في هذا الزمن التافه الذي أصبح أسوأ مخبر وزيرا وتحول كل كلب مسعور إلى إعلامي، وكل مجهولي التعريف في عالم السياسة إلىي نائب برلماني فاسد وكل افعي رقطاء إلى شيخ يدعي الوطنية وهو مرتش .. إنه التاريخ العكسي الذي يخطوا فيه أسفل الناس في قاع رذيلة المجتمع إلى أوسخ الناس في قمة السلطة .. وهذا غير مألوف في هذا الزمان الذي يعتبر زمان التغيير والتجديد والديمقراطية أن يقبع فوق الساحة من يدعون الوطنية بالاسم وليس بالفعل ، ويجددون لأنفسهم الثقة وشيطانهم ... و يساعدهم في ذلك اعلام غوغائي أجير .. ليضللوا العقول الضعيفة بشعارات قد عاف عليها الزمان وأكل ..ولا يوجد لها مكان، شعارات تتخللها حبال طويلة من الأكاذيب الخداعة تمسكا بالمرتبة ، وليس كما يدعون تمسكا .... هؤلاء يعملون بإستمرار علي تدمير حقوق الشعب و يعظمون ويمجدون ما يقوم به الحاكم ولو كان خاطئا .. ليحولوه الي حاكم مستبد !
تلك هي بطانة السوء التي تهيمن علي قيادات الدولة الحالية .. و التي تنتمي الي الحزب الحاكم ومنها كبار رجال الدولة من عسكريين ومدنيين ورجالات اعمال ، ودخلت هذه الطبقة في تناظر واضح مع القطاع الخاص في الاشتراك معه في جرائم اكل اموال الشعب شريطة ان يتخلي الاخير عن توجهاته السياسية ويلتزم بتعليمات الآزفيين .. وفي ظل غياب مؤسسات للرقابة والفحص و قبوع السياسة داخل أقواس الدولة !!
اننا لمم نتغيرسوى تغيير إيديولوجي من جهة، وتغيير على مستوى الهويات المهيمنة على الدولة من جهة ثانية، مع بقاء النموذج القديم الحاكم للطبقة السياسية التي لا ترى في الدستور او القانون سوى سطر يكتبه انقلابي عسكري ويشطبه وافد جديد و يمرره بعد ذلك الكهنة الجدد و يؤولونه.... وبالتالي فنحن فعلا في مرحلة الصدإ والرجوع الي الورآء لأ ن أصحاب ربطات العنق الجدد و أولئك الرعاعأظهرت تصرفاتهم و خطاباتهم أن بوصلتهم بها خلل ، و أنهم خارج الزمن، و غير مدركين لما يحدث .. وبالتأكيد هذا أحد أهم أسباب فشل إدارتهم و خطاباتهم السياسية الهزيلة !
أعتقد مخلصا أن أجمل مايٌمكن أن يٌقدمه الرئيس لشعبه في هذه الساعة هو أن يرمي نتيجة هذا الاستفتاء الي حيث القمامات والنفايات التاريخية .. فهو لا يمثل رأي الشعب .. وإنما هو من إنتاج عصابات الحكومة و رجالات أعمال الزمن الفاسد .. نعم هؤلاء لا يريدون لموريتانيا أن تخطوا خطوة الي الامام .. كل ينطلق من مصلحته الضيقة ويبني قصورا من البهتان والكذب ليحافظ علي نهبه المستمر .. فلا مصلحة الوطن والمواطن تهمه في شيء..... وفي يوم سقوط الرئيس لا هم يعرفونه ولا هو يصدق !
بالأمس القريب رفض الشعب أن يشارك .. تلك هي الحقيقة المرة .. وإن كانت واحة المبررات خداعة .. ! لكن ستزداد مرارة ويٌدمدم علي الرئيس شعور الجماهير الثائرة .. رغم براءته منها ..فالعصابة هي المسؤولة .. ورغم ذلك فهو يتحمل وزر تزويرهم والمستقبل الحالك .. فلا الأوربيون شاركوا كمراقبين وهو عدم اعتراف ضمني لهذه المهزلة ولا يحسب عدم توجه الناخبين لمراكز الاقتراع للمعارضة ء لأنها في ذلك الوقت كعادتها كانت مشغولة بكتابة بيان من بياناتها الفاشلة ، بل هو ملل حد اللامبالاة من شعب مطحون يبحث عن قوة يومه امام مسرحية يقودها الغوغائيون و أصحاب المصالح والنفوذ داخل سيارات فارهة مشبوهة المصادر ليصنعوا صورا مكبرة تكفي تكاليف الواحدة منها لإعالة اسرة شهرا كاملا .. وإقامة حفلات ليلية بالية ولكل مسؤول ليلته من التكاليف ، ليحاكي تحت خيام الفساد بعد ذلك المخنثون فيها أرواحهم النتنه.. وغناء مطربات غاويات يرمين حبال غيهن علي من لا يسعفه التاريخ .. وتصفيق وتطبيل، يسبق ذلك علي المنبر من لا مجال لتعريفه .. فيشنق اللغة شنقا .. ويتلعثم ويتأتأ تأتآت .. فلا تدري أولها من آخرها .. !! ذلك مشهد صغير يبذر فيه المفسدون أموال الدولة من اجل الحفاظ علي مراكزهم وليس من اجل اضافة خطين لا معني لهما في قانون تمازج الالوان و رغبة في انتقام من الصورة الأصلية للشيوخ !.. هم مرتشون في كل الأحوال .. صوتوا ب 'لا' برشوة وكان يمكن ان يصوتوا ب 'نعم' لو عرضت عليهم رشوة أكبر .. من هنا نستتج تناقضا غريبا في تقديرات الامور بالنسبة للنظام .. فهو هنا يتسم بالمثالية ..علي حين في مناسبة أخري مضت يهدي لمنت الميداح اراضي بقيمة الخمسة وسبعون مليون ! ... ولكي لا أغوص في الاحتمالات رغم قدرتي علي متابعتها و تحديد مجال التعريف ! .. أعود وأقول ان الشيوخ لا دور لهم اكثر من انهم ارغموا خونة النظام و رأسه الي اللجوء الي هذا الاستفتاء برشوة أو هبة لا يهم .. مادام النظام فضل نشر تسجيلاتهم وهو غسيل لم يسغل بعد .. رغم ان الرئيس نفسه وعد الجماهير بكشف المستور يوم المهرجان وقد واصل مسؤولوا حملته الدعاية لهذا المهرجان ... و قد نجحوا أيما نجاح .. الحضور كبيرا لكن المستور لم يكشف عنه .... ! وكان لهذا فيما بعد انعكاسه علي المشاركة في التصويت .. فكان الحضور منعدما ومنافيا للأول .... ليخلف ذلك الكثير من التساؤلات ..... فأين مكمن الخلل ؟
نعم أجمل ما يمكن أن يقدمه الرئيس في هذه الظروف بالذات .. مسح شامل للطاولة وإعادة الكتابة بأياد وطنية متعففة عن المال العام لديها بقية أخلاق وشيؤ من التقوى، ويصالح شعبه بخطاب صادق مفعم بالوطنية والرغبة في امن واستقرار هذا البلد وتنظيف جهازه التنفيذي من وزراء التملق والخداع والدعاية الشعبية الزائفة وهذا ما أثبته يوم 5 أغشت الصامت... والطبقة الجديدة من عديمي الكفاءة والجدوائية من رجال اعمال الصدف والجهل المركب المقتاتين علي حساب الشعب والذين أثبتوا بأنهم لا مجال لتعريفهم في القاموس المتداول !
علي الرئيس أن يفحص ويرتب ما تبقي من اوراق والا ستكون في مرمي نيران الحبر الأحمر، وستكون مقولة محمد توفيق حاضرة بقوة في قادم الأيام ; الغباء السياسي يبلغ ذروته حين يصير العسكري حاكماً، إذ يختزل الحاكم العسكري الدولة في شخصه، فيجعل من نفسه وصياً على الشعب، ومسؤولاً لا تمكن مساءلته، فيرى نفسه فوق الدستور والقانون.
الغاظي مولاي أحمد