في مواجهة الاتهامات بالمساهمة في تراجع الصحافة وانتشار التضليل الإعلامي، باشرت مجموعة غوغل العملاقة للإنترنت عملية واسعة النطاق لتحديث تطبيق "الأخبار" الذي تقدمه لروادها، مراهنة على الذكاء الاصطناعي، في نهج يثير ردود فعل متباينة بين الخبراء.
والهدف الذي أعلنت عنه شركة التكنولوجيا العملاقة هو مساعدة وسائل الإعلام على إيجاد مشتركين والحد من مفاعيل أنظمة الخوارزميات التي تحكم عمليات البحث، فلا تورد في غالب الأحيان سوى وسائل إعلام أو مواضيع محددة في طليعة نتائج البحث.
وأكد رئيس مجموعة غوغل سوندار بيشاي كاشفا عن تفاصيل الصيغة الجديدة من تطبيق "الأخبار" (نيوز) في مطلع الشهر أنها تستخدم الذكاء الاصطناعي "لتظهر الأخبار التي تهم (المشتركين) نقلا عن مصادر موثوقة، عارضة في الوقت نفسه مجموعة كاملة من وجهات النظر حول الأحداث".
وقال رئيس المشروع تريستان أبستيل إن صيغة التطبيق المحدثة "تستخدم أفضل ما في الذكاء الاصطناعي للعثور على أفضل ما في الذكاء البشري، الصحافة الممتازة التي يمارسها المراسلون عبر العالم" مشيرا إلى أن "النقاش البناء يفترض أن يتمكن الجميع من الوصول إلى المعلومات ذاتها".
وضاعفت غوغل خلال الأشهر الأخيرة الإعلانات الرامية إلى طمأنة وسائل الإعلام التي تقيم معها علاقات صعبة، إذ تتهم المجموعة على غرار فيسبوك بالسماح بانتشار "الأخبار الزائفة" وإتاحة الكثير من المحتويات المجانية وتقاضي الجزء الأكبر من عائدات الإعلانات على الإنترنت.
بالتالي يعرض التطبيق الجديد مقالات مفصلة بحسب خيارات المتصفحين الشخصية في قسم "لكم"، إنما كذلك تغطية الأحداث الهامة في قسم "أبرز الأخبار"، معطيا الأفضلية للمصادر "الموثوقة"، بحيث يتم الخروج من "فقاعة المرشح" التي تتسبب بعزلة ثقافية وفكرية للمشترك من خلال إمداده بنتائج بحث مبنية على أفضلياته فقط.
قالت أستاذة الصحافة في جامعة نويورك ميريديث بروسارد "هناك خرافة مستمرة منذ وقت طويل حول المقالات التي يتم اختيارها بصورة مفصلة بحسب المتصفح" بواسطة نظام الخوارزميات.
وتابعت "لم يتوصل أحد إلى تحقيق ذلك. أعتقد أن الذين يؤمنون تغطية الأحداث وناشري الصفحات الرئيسية (على الإنترنت) ينجزون بالأساس عملا جيدا على صعيد فرز الأخبار".
- تغيير بيئة الأخبار -
كذلك تعهدت غوغل من خلال تطبيقها الجديد بمساعدة ناشري الصحافة على اجتذاب اشتراكات مدفوعة، إذ تبسط على القراء كيفية الاشتراك من خلال استخدام حسابهم على غوغل.
وقال أستاذ الصحافة في جامعة "نورث إيسترن" دان كينيدي إن هذه التدابير الجديدة تبدو إيجابية بالنسبة لأوساط الصحافة.
وتابع "رفضت غوغل لسنوات عديدة تقاسم العائدات مع المجموعات الصحافية، بذريعة أن غوغل تجلب لها قراء وأنه يعود لها أن تتدبر أمرها لجني منافع مالية من ذلك".
وقال "الآن، ومع تقاضي غوغل وفيسبورك أكثر من 90 بالمئة من مجموع عائدات الإعلانات على الإنترنت، تقر غوغل أخيرا بأنه يتحتم اختبار وسيلة أخرى".
لكن خبير الصحافة الرقمية في جامعة "نورث وسترن" نيكولاس دياكوبولوس لفت إلى أن النتائج غير مؤكدة، لا سيما وأن غوغل "تركز كل جهودها على عدد محدود نسبيا من ناشري الصحافة".
وقال من جهة أخرى إن فكرة تحديد المصادر "الموثوقة" ودفعها إلى الواجهة قد تكون إشكالية.
وأوضح "ربما يكون الأمر إيجابيا لكبار (الناشرين) أو أولئك الذين فهموا كيف يتم التلاعب بالخوارزميات (...) لكن ماذا عن المواقع الإخبارية المحلية ومواقع الأخبار الحديثة؟"
وهي مآخذ مشابهة للانتقادات التي وجهت إلى موقع فيسبوك حين أعلن قبل بضعة أشهر أنه سيعطي الأولوية للمصادر "الموثوقة" بحسب رأي المستهلكين.
لكن إن كان بوسع الذكاء الاصطناعي تعزيز الخيارات، لفت دياكوبولوس إلى أن قطاع النشر وتقاسم المحتويات الإخبارية "ما زال بحاجة إلى العنصر البشري (...) إننا بحاجة إلى عكس القيم الإنسانية والقيم التحريرية... لا يمكن قياس المعايير التي قد تكون ذات أهمية في عملية اتخاذ قرار تحريري".
AFP