كأن صاحب القامة الفارعة والشارب الكث، الذي يذكرك بقصص قادة الجيش الإنكشاري وأيامهم، قد سئم منا ومن يومياتنا الرتيبة، فترجل عن جواده في صمت بعيدا عنا، في صحراء تشبه إلى حد كبير رحابة صدره وامتداد عطائه لوطنه...الحياة مضحكة أحيانا!
إذا كان السجن قد مثل أداة ردع ووسيلة عقاب لدى مختلف الدول والحضارات، فإن حرمان الإنسان من الإفصاح عن رأيه بحرية، هو سجن من صنف آخر، يشعره بالمهانة، وانتهاك كرامته الإنسانية.. يحرمه من أي إبداع، أو تعبير صادق عن الذات.
طرح الرهان الضمني لأحداث فاتح مايو 2017 أداء الجهاز الحكومي بكامله على بساط البحث، بعد فترة وجيزة من تنبيه الجهاز التشريعي على حتمية تجريد السلطة المعنوي من أهم وسائل التحكم في شؤون البلاد إذا استمر تضاؤل ما لديها من هيبة في عقول المواطنين جراء تماديها في خيارات غير مقنعة حتى لأقرب الناس لمحيطها السياسي.
شيء ما أثار كبرياء النخوة في وجدان كل موريتاني ونحن نودع رئيسا ساهم في صناعة أهم الأحداث الوطنية خلال العقدين الأخيرين هو المرحوم الرئيس الأسبق اعل ولد محمد فال.
الكتابة عن الراحلين من الشخصيات العامة في لحظات الفقد الأولى مربكة، لضيق الحدود أثناء الكتابة بين خواطر الحزن و رصد السلوك الإنساني من رؤية لا تختلف عن الكتابة حول الأحياء إلا في وجوب الامتثال للأحاديث النبوية الشريفة ( اذكروا محاسن موتاكم) و(لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) رغم أن الإنسان العادي كما فطره الله، لا يكتمل إلا بعيوبه.
في يوم من ايام ستمبر 2005 عندما كان المرحوم اعلي ولد محمد فال رئيسا للدولة و الرئيس الدورى لمنظمة مكافحة أثار الجفاف في الساحل " cilss" وأنا يومها مستشارا لدى وزير التنمية الريفية مكلفا بهذه المنظمة الجهوية.
انتقل إلي رحمة الباري، أمس الجمعة، الرئيس السابق اعلي ولد محمد فال عن عمر قد لا يكون طويلا بقياس الزمن العادي لكنه مديد بمقياس الفعل والحضور والأثر الذي يتركه الإنسان في الحياة حيث حقق فيه من خدمة الوطن والعلاقات الطيبة داخليا وخارجيا ما يعجز الإنسان العادي عن تحقيقه لو عُمّر آلاف السنين.
كان الوقت ضحى حين ايقظني صديقي المضيف في حي السويسي 1 بالرباط خلال صيف 2005 ...قال لي كالحلم معاوية سقط معاوية سقط...لم اكن لاصدق لولا اني رأيت دموعه تنهمر من شدة الفرح...وسقط ...
حين وصل الرئيس الراحل، اعلي ولد محمد فال، إلى الحكم كنتُ مستشارًا لوزير الخارجية برتبة سفير فى الإدارة المركزية، فأسند أليَّ وزيرُ الخارجية الجديد، الدبلوماسي المحنك أحمد ولد سيد أحمد، مهام الإتصال والإعلام، وكنتُ – من حين لأخر- أنوب مدير إدارة الإتصال يومها، السفير ماء العينين ولد خالد.