بدأت الحرب تلقي بظلالها عل الأوضاع العامة للبلد واتخذت منعطفا جديدا بتسرب عصابات البوليزاريو إلى الأعماق وانتشار عدة آلاف من الجيش المغربي في مناطق حساسة طبقا لما نصت عليه معاهدة الدفاع المشترك.
كان العقيد المصطفى ولد محمد السالك رجلا وطنيا إذ نأى بنفسه عن بؤر الصراع بين أقطاب المؤسسة العسكرية ولم ينشغل بالدسائس التي كانت وراء حالة عدم الاستقرار التي عرفها الحكم العسكري بعد انقلاب العاشر يوليو.
قامت مجموعة الضباط بانقلاب هادئ وسط أجواء مشحونة بالمخاوف والقلق على كيان البلاد في ضوء الهجمات العسكرية المتلاحقة على المدن في العمق الموريتاني وعلى المرافق الاقتصادية الحيوية وفور تنفيذ عملية الإطاحة بالحكم تم قطف رموز النظام كثمار ناضجة وتم وضع المختار بن داداه وكبار الموظفين رهن الإقامة الجبرية وأعلنت القيادة الجديدة عن نيتها الانسحاب من الصحراء.
تتربع الحظيرة الوطنية لحوض آرگين على مساحة تقدر بـ12.000 كلم مربع تقع على الساحل الموريتاني جنوب مدار السرطان؛ حيث تتعانق كثبان الرمال الناعمة بزرقة مياه البحر، وحيث تختلط المناخات والتيارات والأعراق والثقافات في تنوع عجيب..
كان كل شيء قد أخذ شكله النهائي وتداعت الوحدات العسكرية من جبهات القتال إلى انواكشوط للمشاركة في استعراض عسكري يتم تنظيمه في تلك الفترة.
واجتمع والي انواذيبو بوزير الدفاع في الخامس من يوليو أي قبل الانقلاب بخمسة أيام وأكد له مرة أخرى ما سبق أن حذرهم منه ووضع أمامهم مؤشرات جديدة توحي بتورط قائد القوات المسلحة فيما يجري الترتيب له.
بعدما طال أمد الاستنزاف وتضاعفت الضربات العسكرية الموجعة لجأ النظام إلى المغرب. تقول الحكمة في هذا المقام "إن الاتكال على حمارك خير من الاتكال على حصان غيرك".
كان ذلك بعد أن عجزت طائرات الميراج أن تؤمن النصر وبعد أن لم يعد بوسع النظام الصمود لم يبق إذن أمامه سوى أن يخوض الحرب تحت مظلة الوحدات العسكرية المغربية.
بعد سقوط هذا القائد ومجموعة من خيرة العسكريين أخذت الحرب بين موريتانيا والبوليزاريو منعطفا جديدا بتسلل وحدات عسكرية من العدو إلى داخل البلاد لتصل إلى مشارف العاصمة فيما أطلق عليه عملية "الولي مصطفى السيد"...
كان في طليعة هؤلاء المرحوم اسويدات بن وداد كان أبي الضيم نبيل النفس ذلك القائد العسكري الذي عرفه الجميع منذ تشكلت طلائع الجيش الوطني وعرفوه أكثر في ميدان المعركة حيث أظهر جرأة لا مثيل لها.
هكذا وقبل أن تلتقط البلاد أنفاسها بعد معركة مريرة مع التخلف وتحديات الوجود، وفي خضم احتفالاتها بعودة الجزء المفقود من "أرضها" إذا بها تنغمس في أوحال حرب لم تكن مهيأة لها ولا قدرة لها على تحمل نتائجها.
في سنة 1969 إذا، عبرت المغرب عن موقفها من موريتانيا واعترفت رسميا بها من هنا بدأت الأمور تتخذ مجرى آخر تميز بمحاولة المغرب استدراج موريتانيا إلى تحالف تضمن عن طريقه تحقيق مطالبها وانطلقت هذه العملية عندما انعقد لقاء قمة موريتاني ـ مغربي في الدار البيضاء ثم في نهاية إصدار بيان مشترك أعرب خلاله الطرفان عن استعدادهما لبحث الوضعية في الصحراء والتعاون للإ